غزة.. رمز العزة والكرامة

 

د. سالم عبدالله سالم العامري

مضى أكثر من ثلاثين يومًا، وغزة العزة تروي حكايات من الصمود والبطولة والكبرياء، تسطر ملحمة تاريخية من النضال والمقاومة والحرية، على أرض الشهداء وقلعة المجاهدين توزع شهادات الفخر والشجاعة والنصر بزغاريد الفرح ونشوة الانتصار.. غزة التي قال عنها محمود درويش إنَّ "بها شهيد يسعفه شهيد ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد".

لن تنكسر عزيمة أبطالها ولا تضحيات شعبها ستظل صامدة في وجه الحصار والعدوان والظلم مهما اشتد الحصار والقتل والدمار، واكتملت أركان المؤامرات والخيانات.

منذ بزوغ فجر اليوم السابع من أكتوبر وراية المجد والانتصار ترفرف على أرض الرباط وقلعة المقاومة والأحرار من بيت لاهيا شمالًا إلى رفح جنوبًا في طريقها لتحرير القدس والأقصى، وكل شبر من تراب فلسطين المحتل، وستظل غزة تقدم الآلاف، بل عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى على طريق النصر والتحرير والاستقلال. لقد أثبتت هذه الملحمة البطولية في غزة أن الشعب الفلسطيني لا يُهزم، ولن يتخلى عن قضيته، ولن يتنازل عن الأرض، ولن يرهبه الاحتلال مهما قتل ودمَّر وشرد وأمعن في التخريب والإفساد،؛ بل سيكون حافزًا للمقاومة الفلسطينية في كامل الأراضي المحتلة لمواصلة النضال والجهاد لاستعادة الحقوق المشروعة على كامل التراب الفلسطيني.

بعد مضي أكثر من ثلاثين يومًا من الصمود كشفت غزة للعالم فساد المجتمع الدولي وزيف شعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وازدواجية المعايير التي ينادي بها مجتمعات النفاق والاستعباد، كشفت غزة بصمودها عجز الأنظمة العربية عن الدفاع عن نفسها وعن الأمة، كشفت غزة بصمودها عن خذلان غير مسبوق من أغلب الدول العربية ودول الجوار الإقليمي والعالمي، كشفت غزة عن غطرسة وعنصرية المحتل ودمويته وإرهابه وإجرامه في قتل الأطفال والنساء والشيوخ بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليًا، كما أيقظت غزة بصمودها ضمير العالم الحر، فخرجت الشعوب تُقاوم الاستبداد في مختلف عواصم العالم في مسيرات مليونية تندد بأفعال الصهاينة والغرب الداعم والمشارك في قتل ودمار غزة التي كان ذنبها الوحيد أنها لم تعترف بوجود الكيان الصهيوني الغاصب، ولم تتنازل عن حقوقها التاريخية المشروعة ومبادئها الثابتة، ولم تترك أرضها لشرذمة من قتلة الأطفال وحثالة الأمم الذين لفظتهم كل الأمم وشعوب العالم.

هذه غزة الصامدة والباسلة، رغم الآلام والجراح والمصاب الجلل، رغم الدمار والحصار والخذلان، رغم المؤامرات والخيانات التي تحاك سرًا وجهرا ليلًا ونهارًا ستقوم من تحت الركام أقوى وأعظم كما كانت عبر تاريخها العظيم، وستكون غزة مقبرة للصهاينة ووحلًا لجنودهم كما وعد المتحدث باسم كتائب القسام أبوعبيدة الذي عهدناه على الدوام وفيًا بوعده.

لا شك في أنَّ هذه الملحمة البطولية من العزة والكرامة والصمود ستُؤسس حتمًا لحدث لا عودة عنه نحو طريق التحرر والنصر واستعادة الحقوق المشروعة والسيادة الوطنية للشعب الفلسطيني بعد ثلاثين عاما على اتفاقيات أوسلو التي لم تحقق للجانب الفلسطيني والعربي شيئا سوى مزيد من التنازلات والاستيطان والتهويد.

لقد أنهى طوفان الأقصى المشروع السياسي مع الكيان الصهيوني والدول الغربية، لقد ولّى هذا المشروع إلى غير رجعة، واستبدله أبطال المقاومة بمشروع الردع والقوة العسكرية التي يفهم لغتها العدو المحتل "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".. انتهى عصر المكائد والخداع والتنازلات، وحان عصر الجهاد والنصر والاستشهاد "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".

تعليق عبر الفيس بوك