كتاب "الطاقة وتطور صناعة الكهرباء في سلطنة عُمان"

 

خالد بن سعد الشنفري

سبق لي أن كتبتُ مقالًا في جريدة الرؤية بعنوان "قصة الكهرباء"؛ وهو عبارة عن مقال في أدب تاريخ الكهرباء، وليس علم الكهرباء الذي أبعد عن تخصصه بُعد السماء عن الأرض، وما زالت لدي شخصيًا رهاب لمس الأجهزة الكهربائية إلى اليوم، وأخاف عند لمس أي زر جهاز كهربائي أو فتح أو قفل مفتاح الأمان الكهربائي، ويرجع كل ذلك نتيجة لحادث صعق كهربائي أليم عايشته، حدث لإحدى قريباتي كنت أول من يعثر عليها مصعوقة في منزلنا في بداية السبعينات؛ لأنه على ما يبدو غير مركب بأمان نتيجة أوضاع تلك المرحلة وبداية دخول الكهرباء إلى منازلنا في عُمان عموما، وعدم وجود فنيين متخصصين في تلك المرحلة، وأيضا لأنني توقفت بعد ذلك كثيرًا عند مقولة قرأتها تقول "واخترع الإنسان الكهرباء قبل أن يعرف ما هي الكهرباء" أي أن يعرف كُنه هذا الاكتشاف الرهيب الذي اكتشفه، وهذه الطاقة الجبارة التي فجرها وأصبحت أساس عيشه وحياته في كل شيء.

أهداني مؤخرا زميل مقاعد الدراسة الابتدائية في المدرسة السعيدية بصلالة في بداية السبعينيات من القرن المنصرم الزميل الدكتور علي بن حمد بن عابد الغافري أول إصدارته وهو عبارة عن كتاب قيِّم جدًا ومُثري جدًا في هذا المجال بعنوان يحمل نفس عنوان هذا المقال "الطاقة وتطور صناعة الكهرباء في عُمان".

سعدت أيُّما سعادة بهذه الهدية الغالية لأنها أولًا من زميل دراسة وطفولة قديم جمعتنا معًا مقاعد الدراسة الابتدائية وأحلام المستقبل العريضة، وثانيًا لأهمية هذا الكتاب الثقافية والعلمية والمعلوماتية في حياتنا، فقد أخذتنا الحياة بعد هذا المشوار الأولى من الدراسة الأولية في مناحي واتجاهات شتى؛ حيث اتجه هو إلى الغرب المتوهج بالعلوم التطبيقة لاستكمال دراسته العليا، فحصل على البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة "أريزونا"، ثم الماجستير تخصص طاقة من جامعة "ستريث كلايد" ونال منها أيضا درجة الدكتوراه في المجال نفسه، وشغل العديد من المناصب في منظومتنا للكهرباء والطاقة، وأنا قادتني الأقدار لأدرس القانون والعلوم الإنسانية في جامعة الإسكندرية بمصر.

أقبلتُ على قراءة هذا الكتاب بشغف ونهم، إلّا أنه كتاب تملكني منذ قراءة الأسطر الأولى منه، وقد كنت أحسبه في البداية كتابًا علميًا بحتًا، إلّا أنه كان أكثر وأعمق من ذلك بحق، وأضاف لي بالفعل كم هائل من المعلومات عن الطاقة بشتى أنواعها والكهرباء، وفتح لي أبواب كثيرة، وأجابني عن أسئلة كانت تخطر لي، ولا أجد لها إجابة شافية أو تفسيرًا كافيًا في حينها، فأتناساها مع زحمة الحياة، وسرعت وتيرتها وتزاحمها حتى وقع هذا الكتاب في يدي، والذي أنارني بنور معلوماته عن الكهرباء والطاقة في العالم، وفي سلطنتنا الحبيبة الذي نعتبر نحن الجيل الأول الذي عاصر دخولها إلى عُمان، وكبرنا اتساعها وتطورها لدينا بدءًا من محطة قصر الحصن بصلالة (محطة باور هوس الحصن) الذي لا نرى سوى إنارتها ليلًا لقصر الحصن من الخارج وكشافاتها الضخمة على أسطح وزوايا القصر وأسواره من بعيد، بينما صلالة كلها تغرق في ظلام دامس.

يأخذك الكتاب في جولة- وبسلاسة وشغف- عن الطاقة عمومًا؛ بدءًا من طاقة الجسد الطبيعية، مرورًا بطاقة الماء والرياح والكهرباء وصولًا إلى الطاقة النووية ليس في العالم فقط؛ بل وفي السلطنة تحديدًا، وفي هذا الجانب بالذات- جانب الكهرباء في عُمان- يعد هذا الكتاب موسوعة شاملة تاريخيًا وعلميًا عن قصة الكهرباء في عُمان وموثق بالصور، وأرى أنه يجب أن يحصل عليه أي طالب في مرحلة التعليم العام، خصوصًا من لديه ميول لدخول هذا المجال الواسع والمهم جدًا في حياتنا العصرية الحالية، وأيضًا اعتبره كتابًا مهمًا جدًا لكل من يعمل في مجال الكهرباء والطاقة عمومًا في عُمان؛ بل لا أغالي إذا قلت إنه كتاب موسوعي على كل منزل وبيت، وكل جهة معنية بالكهرباء والطاقة في عُمان أن يكون في مكتبتها، وهو مطبوع طباعة فاخرة على ورق مصقول فاخر، ومزود بكم هائل من الصور تحكي تسلسل قصة مشروعاتنا الكهربائية.

أمورٌ شتى عن الطاقة بمختلف فروعها كُنا نشاهدها في حياتنا قد استجلى لنا المؤلف كُنهها وفك شفراتها بأسلوب رائع بديع؛ هو أسلوب السؤال والإجابة عنه.

شكرًا للزميل الدكتور الغافري على هذا الإثراء الرائع للمكتبة العُمانية والعربية؛ بل والعالمية، وتحية شكر وإجلال لمدرستنا السعيدية بصلالة الشامخة إلى اليوم في نفس مقر تأسيسها أول مرة سنة 1936 بالقرب من حصن القصر العامر، وكل مدارسنا التي أينعت لنا مقاعدها الدراسية زهورًا وبذورًا وأصبحت أشجارًا أثمرت أيُّما إثمار، وآتت أكلها، وما زالت مستمرة.