يرونه بعيدًا.. ونراه قريبًا

د. أحمد بن علي بن عبدالله العمري

العدل والمساواة هما الأساس الذي تتعامل به الشعوب وتستطيع أن تتعايش جنبًا إلى جنب في الخير والشر وكل مقدرات الأمور، أما أن ينظر العالم بعينٍ واحدة ويسمع بإذن واحدة ويقف مع الظالم ضد المظلوم؛ فهذا ما ترفضه الإنسانية بطبيعتها السمحة، وتتأفف منه المبادئ والقيم الفطرية التي خلق الله عليها البشرية جمعاء.

إن ما يحدث من هجوم همجي على غزة بكل تجبرٍ وطغيانٍ، ليس له معنى سوى الغطرسة الإسرائلية الطاغية والمحاباة الأمريكية والأوروبية غير المبررة. يعيش في غزه أكثر من 2.2 مليون نسمة على مساحه 360 كيلومترًا مربعًا في أكبر كثافة سكانية في العالم، يعيشون في حصار مُطبق منذ 17 عامًا.

أليس هذا ضغطًا يولد الانفجار؟!

ومنذ الوهلة الأولى كان لبلادي سلطنة عمان الغالية- كما هو المعهود منها من قيادة سياسية ودينية وشعب- الموقف الثابت والواضح والجلي من خلال البيان الذي صدر عن وزارة الخارجية في اليوم الأول.

كما أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- خلال اجتماع مجلس الوزراء التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني، وكلمة صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد في كلمته التي ألقاها نيابة عن جلالة السلطان في قمة القاهرة للسلام التي عقدت بالعاصمة المصرية يوم السبت 21 أكتوبر المنصرم. فيما أصدر سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان العديد من البيانات التضامنية مع الشعب الفلسطيني، وكانت هادفة ومعبرة وصادقة، يختتمها بالدعاء. وأيضًا الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة الذي تحدث عن الوقوف مع الشعب الفلسطيني.

لكن دعونا نرجع إلى التاريخ والحقائق قليلًا، حيث إنه في عام 1907 عُقد مؤتمر دعا له كامبل بانرمان رئيس وزراء بريطانيا (التي أصدرت وعد بلفور)، وقد دعا سبعة دول أوروبية ليست من بينها ألمانيا، وقال لهم نحن الآن في مرحلة انحدار وبيننا خلافات كثيرة وتنافس خطير، فهل تريدون البقاء على القمة أم الانحدار؟!

في تلك اللحظة، كانت قد وُزِّعت على الحضور خرائط الوطن العربي، وقال لهم هذه المنطقة من الخليج إلى المحيط هي سر قوتنا وضعفنا، هذه المنطقة الآن منطقة ضعيفة مُهلهلة جاهلة متشرذمة يتقاتلون على قطرة ماء، لكنهم يمتلكون النهضة، ويمتلكون ما لا نمتلك، وكلهم يتبعون دينًا واحدًا، بينما في أوروبا هناك عشرات المذاهب. هؤلاء عندهم لغة واحدة، من يذهب من مسقط أول مدينة في الوطن العربي تشرق عليها الشمس إلى الرباط آخر مدينة تغرب عنها الشمس، لا يحتاج إلى مترجم ولا دليل! هذه المنطقة تحتوي على المواد الخام التي نفتقدها ونحن بحاجة لها، إنهم يتحكمون في مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق.

وفي نهاية الاجتماع توصلوا إلى عدة نقاط مهمة وهي: ضرورة زرع جسم غريب في المنطقة، ويجب فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، وأن يكون هذا الجسم الغريب ولاءه المطلق للغرب، وأن يجعل هذا الجسم الغريب المنطقة في حالة عدم توازن، وتعطيل نهضة الأمة العربية بشتى الوسائل.

في تلك الأثناء، علِمَ اليهود بالمؤتمر، بقيادة حايبم وايزمان، فذهبوا إلى بريطانيا وأكدوا استعدادهم للقيام بالمهمة بشرط دعمهم المستمر وكل ما يطلبوه يُعطى لهم!

ومنذ ذلك التاريخ والأمور ماضية بذات التوجه بلا هوادة.

مُخطئ من يظن أن الهجوم على غزة هو حرب بين إسرائيل والفلسطينيين، إنما حرب وجودية بين الخير والشر، وبين الإسلام وأعدائه، والدليل أنه بعد مُضي ساعات قلائل من معركة 7 أكتوبر 2023، وصلت الطائرات والذخائر وبعدها البوارج والدعم المالي بنحو 14 مليار دولار من أمريكا، مع سعي البيت الأبيض لتخصيص أكثر من 100 مليار دولار خلال الفترة المقبلة.

إننا في العالم العربي 450 مليون نسمة في 22 دولة نقف صامتين أمام هذا الجبروت وهذا الطغيان، فهل أصبحنا كغثاء السيل؟

ألا يجب أن نتفحص السبب في الذل والخذلان؟ فما بالكم إذا استنجدنا بأمة الإسلام التي تصل إلى المليارين؟ فما هذا الوهن؟ وما هذا الضعف يا أمة الإسلام؟

للأسف يوجد بيننا مُتصهيِنون في العالم الإسلامي ربما أكثر من الصهاينة أنفسهم!

هل وقع علينا غضب من الله سبحانه وتعالى، فلنتجنب ذلك بترك المعاصي والصفاء مع الخالق جل وعلا حتى يرحمنا في دنيانا قبل آخرتنا.

ولا يجب أن نعوِّل على الغرب وأوروبا وأمريكا ولا حتى الأمم المتحدة؛ لأن الأمم المتحدة لم تتأسس أصلًا على العدل، وإلّا ما كانت 5 دول صاحبة حق النقض "فيتو" تتحكم في العالم.. فهل العالم اقتصر على هذه الدول؟!

لننظر إلى تجارب الشعوب من حولنا، وليس أفضل هنا من تجربة جنوب إفريقيا، فقد عانت من العنصرية والقسوة والظلم والطغيان، لكن عندما ضحّى الشعب وصمد ووقفت أمته معه انتصروا وعاد الحق لأصحابه.

وفي الختام، أدعو الله أن يحفظ الإسلام والمسلمين، وأن يُعيد لنا الأقصى.

حفظ الله سلطاننا وبلادنا وشعبنا الوفي الأمين، إنه سميع مجيب الدعاء.

الأكثر قراءة