فاطمة الحارثية
هل آن الأوان لغرز وسن قوانين مقاومة للتمييز؟ ولا أقصد التمييز ضد المرأة أو الطفل أو الشباب أو غير الأكاديمي فقط، بل التمييز في العموم وكل ما يُعيق تقدمنا نحو تحقيق تصور رؤيتنا وطموح التحول الاقتصادي، وتطوير المجتمع فكريًا وثقافيًا، ولا أستطيع القول إن الأمر هين، فمع العولمة بات التغيير أكثر صعوبة مما سبق، والتأثير يحتاج إلى مقومات المفاوضة والقدرة على البرهان، وسرعة الاستجابة مع مراعاة الحفاظ على الأنظمة والعمليات السليمة أثناء فعل ذلك.
يجب أن لا نستهين بمخاطر العولمة، والسلبية التي تضج من فكر غير ناضج وغير مُدرك لما يلفظ من قول أو يفعل من سلوك.
نحن نتكامل، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نطالب بالكمال، أو التميز أو العلو إلا إذا كنَّا في منظومة تحترم القدرات وتعترف بالنقص والطبيعة البشرية، وإن النجاح يكمن في العمل الجماعي والتآلف ومساعدة بعضنا البعض، بكل ما نملك من إيجابيات وسلبيات؛ فأنا وأنت بشر وما ينقصني تُكمله لي، وما هو نقص لديك أتمه لك، هذا هو الوعي الذي يرفع من قيمتنا، ونصل به نحو الأفضل والنمو والاستدامة، أما بالنرجسية وفرض الرأي والتكبر والتشدق بقول مغاير للفعل فلن نصل إلى شيء؛ وأن تتم معاملة الشاب على أنه لا خبرة لديه ليُعاني التمييز، بدل أن يقبله كبير السن ويمنحه الخبرة، ويُشارك الشاب روح الحماس ليُعيد فكر التجدد لديه ويستثمر في خبرته، لتندمج بذلك الخبرة مع الفكرة مما يُقلل المخاطر ويصنع الابتكار. لن نتقدم إذا استمررنا في طمس مثل هذه الحاجة في صناعة القرار.
وعند تعرض المرأة للتمييز رغم أنها هي من ربَّت الرجل وهي من قامت في أمره ليعتبرها (عيب) ولينعتها بالعاطفية، وكأنها مهانة، وهي في الحقيقة ميزة تردم النقص الذي لدى الرجل، وأساس من أسس عناصر صناعة القرار الحكيم وتكامله، زد على هذا أصحاب المهارات والمبدعين خارج الإطار الأكاديمي الملقن، وما يواجهون من رفض ونعت بالجهل، وكأن العلم محصور بين الكُتب. شخصيًا دائمًا ما أُعجب بحلولهم لأنها بسيطة وفعّالة ولا تحمل عُقد التفسير والرعوية، ومنهم فئة جريئة وشُجاعة لا تتردد في الإقدام والتجربة، عكس الكثير من الاكاديميين الذين يستغرقون في التخطيط والأعمال الورقية والاستراتيجيات أكثر من التنفيذ الفعلي، ولا أنتقص بهذا أهمية التخطيط، لكن لنكن واقعيين قليلا وسوف نلاحظ أنه بات يستهلك الكثير من الجهد والوقت وعند التنفيذ استطيع أن أقول أن أكثر من 60 بالمائة من الخطة تتغير بسبب المزامنة والتأخر، زد على ذلك التحقير الذي يُمارسه بعض الأكاديميين ضد شباب المهارات ومحدودي التعلم وذوي الإعاقة، أقول لهؤلاء المبدعين لله الحمد الذكاء لا يُقاس بالشهادات، وأنتم جزء أساسي لا غنى عنكم، وبكم نحقق المستحيل.
إن أردنا فعلًا أن نتقدم علينا أن نراجع تطبيق القوانين، وأتحدث عن التطبيق لأن القوانين موجودة وتحافظ على صحة صناعة القرار، لكنها تحتاج إلى متابعة حقيقية وحازمة في التطبيق، وفرض التوازن.
المثال على ذلك المجالس البرلمانية في الدولة، وحتى ينضج الفكر وينتشر الوعي الصحيح، تحتاج الدولة لأن تفرض هذا التوازن في أعضاء تلك المجالس، وأن تجعل النسبة والتناسب بيّنه في المنتسبين والعناصر الثلاثة فاعلة في صناعة القرار: الجنس، والعمر، والعلم؛ كما وأن الثقافة البرلمانية محورها التنوع الفكري لتستطيع أن تلعب دورها في تحديد كيفية عمل البرلمان، وكيفية تفاعله مع المجتمع والحكومة لتحقيق أفضل النتائج، مع الحفاظ على النمو الصحي والقيم ورفاهية الوطن والمواطن والمقيم، علينا أيضاً أن نُساهم في صناعة برلمان حقيقي وليس فقط شكليًا، لا يمكن لمجموعة ما لم يكن بينها صاحب قضية أو من ذات الفئة أن تحل القضية بالشكل المطلوب أو أقلها أن تسلط الضوء المناسب عليها.
قيل الكثير عن جنتي عُمان ولا أرضى، لكن أقل ما أستطيع أن أكون على هذا المنبر، أحاول بالقلم إيصال الكلمة وهي أضعف الإيمان.
****
سمو...
لسنا مجبورين أن نستنسخ فكر الغير، لنا أن نكون هويتنا الخاصة وقواعدنا التي توصلنا إلى تصور رؤيتنا الطموحة.
لك يا إنسان حق العيش على أرض سخرها الله لك، وما الحروب إلا شيطان قام وسانده قابيل ليهمن على الأرض، التي تعهد أمام الله أن يُمحي وجود الإنسان عليها؛ القوى تسعى نحو إعادة رسم خارطة حدود جديدة حسب الثروات المُكتشفة، بمساعدة من يحاول محوه، كم في ذلك من سخرية وألم ودهشة.