د. صالح الفهدي
ذهبتُ إلى "الكاتبِ بالعدل" لاستخراجِ وكالةَ بيعَ أرضٍ إلى مشترٍ، وبعدَ أن صَاغها الكاتبُ، طُلِبَ منِّي شاهدَين يوقِّعانِ على الوكالة، فوقعتُ في حيرةٍ من أَمري، وتساءلتُ: لِمَ لا تُسايرُ القوانينُ العصرَ الذي يتقدَّم بتقنياتهِ، وبرامجهِ، وأساليبه؟!
لم تكن بالطبعِ المرة الأُولى، ولا الوكالة الأُولى، وفي كلِّ مرَّة، وفي كلِّ موقعٍ أَلمسُ ذات الوجهةِ النظر التي اقتنعَ بها الكاتبُ بالعدلِ نفسه: لا حاجةَ للشاهدَين، لأنه ببساطة لا (حاجة) تؤثِّر على مسارِ الإجراء، فصاحبُ الأَمرِ والقرارِ يأتي بنفسهِ، وبإرادته، وبما لديه من وثائق هُويةٍ، وما يتعلَّقُ بالطلبِ من مُرفقات أصليَّةٍ، فَلِمَ يُطلبُ منه شاهدينَ؟ شاهدَينِ على ماذا؟ أَعلى طلبهِ وقد حضرَ شخصيًا أمام "الكاتب بالعدل" المعيَّنِ من قِبل الحكومةِ للتوثيق؟ ثم مَنْ سيكون هؤلاءِ الشاهدَين؟ في غالبِ الأَمر هُما "شاهدَينِ لم يشهدا على شيء"!، فهل بهذا تستقيمُ أركانُ الشهادة؟ أم هل يعطِّل صاحبُ الحاجةِ شاهدَين من التزاماتهما، ويفرغا من ارتباطاتهما لساعاتٍ حتى يصحبانه؟
ثم انظر لجهةٍ رسميَّةٍ تقومُ بتحويلِ ملكيَّات الأرضِ التي قد تصلُ إلى ملايين الريالات دون أن تطلبَ "شاهدَين" وهي وزارة الإسكان والتخطيط العُمراني من خلال أمانة السجل العقاري فتؤدي الأَمر بسلاسةٍ تامَّة.
لا أظنُّ أن مسألةَ "الشاهدَين" مقتصرةٌ على استخراجِ الوكالات وحسب؛ بل إنها قد تشملُ مصالحَ أُخرى، مما يجعلني أَقول: إن أهمية مراجعة القوانين لتواكبَ العصرَ المتسارع بتقنياته، وتطبيقاته، هو أَمرٌ واجبٌ بالضرورة، في وقتٍ يقومُ فيه الواحد بتحويلِ آلاف الريالات عن طريق ضغطة زرٍ ورقمٍ سرِّيٍّ متغيِّرٍ لكلِّ طلب وفَّرَ على الناس وقتًا وجهدًا مع هامش (صفر) في التطبيقِ، وهامش خطأ إنساني نادرٍ جدًا، يتحمَّلهُ صاحبُ المعاملةٍ نفسها، وقس على ذلك قضاء الكثير من المصالح عبر الوسائط الإلكترونية التي اعتمدتها جهاتٌ حكومية وخاصَّة.
ما أوردتهُ فيما سبقَ هو أُنموذج لكثيرٍ من القوانين التي يفترضُ أن تُراجع لأنها دون داعٍ مع وجود الوسائل التي هي أجدى وأنفع لتسهيل الإجراءات، وسلاسة المصالح.
لقد وجدتُ في الكثير من المؤسسات الحكومية ما يستوجبُ المراجعة من القوانين التي عقَّدت المصالح، وأَخَّرت الإجراءات، وليست العبرةُ هنا هو وجود نظام تطبيق إلكتروني فحسب، وإِنما العبرةُ في محتوى هذا التطبيق، وكيف يعمل بسلاسة ويسر من أجل قضاء المصالح، إذ أن بعض التطبيقات الخدمية معقَّدة، لأنها – كما قلتُ في أكثر من مناسبة- قد نُقلت تعقيداتها من الورقِ إلى الأنظمة الإلكترونية فـ «كأنك يا أبوزيد ما غزيت»!، إذ ما الفائدة من نقلِ إجراءٍ من الاستمارات الورقية إلى شاشات الحواسيب بتعقيداتها، ومرفقاتها؟!
لِمَ يحتاجُ أصحابُ المصالح إلى تعبئة البيانات الشخصية، ويفترضُ أن تظهر تلقائيًا بمجرَّدِ أن يدوَّن رقمُ الهوية التعريفية؟! لِمَ تقبلُ بعض التطبيقات إرسال بعض الطلبات وفيها أخطاء واضحة ثم تعيدها الجهة الخدمية دون تفصيلٍ أو تصحيح، لتأخذَ دورة التصحيح، والأخطاء والإِعادة مثلما يحدثُ في عقودِ الإيجار أيامًا وأسابيع؟!
يمكننا أن نسترسلَ في هذا الأمر، لكنَّ الشاهدَ فيه أن مسألة مراجعة القوانين وعمل التطبيقات والإجراءات أصبح أمرًا غير اختياري وإِنما هو واجبٌ لكلِّ مؤسسةٍ تسعى إلى الإنجازِ السريع، وتحسين الأداء، وتوفير الوقت والجهد، وفي ذلك تسريعٌ لخطى الوطنِ نحو التحديث والتقدم والنماء.