البحث عن إنجاز

 

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

لا شيء يربك حياتنا بقدر كبير سوى حاجتنا، الحاجة تطمر قوة السعي ومتعة القصد والهدف لأنها تخلط الاهتمامات، وتنكأ الجروح التي تتراءى وتعلو على أفراح بعضنا في الوطن العربي الكبير، هذه الجراح لا يحلو لنا إفشائها إلا لقريب على القلب أو لشخص نتطلع من خلاله حلا أو طريقا يوصل إليه، لكن يبدو أن الخيبات هي متراس النفس حين لا نجد سوى أجسادنا وقلوبنا تتحمل كل شيء بدون تأمين أو ضمان مسبق.

قلب العربي يتداول الخيبات ويتحمل الانكسارات التي تتعدد مصادرها ولا يعرف نهاية أو مصدرا قد يركن إليه، والحقيقة أن الأزمات العربية تنطلق من شعوبها، طريقة الحياة والعيش واكتساب الرزق، ولأن أغلب العرب مسلمين فهم يعيشون على هامش هذا العالم، يقتلون بدم بارد في الغرب بسبب انتماءاتهم، وينكل بهم ويضيّق عليهم إلا أنهم يفضلون الذهاب للعيش في تلك الدول لأنْ لا أحد يستقبلهم في الدول العربية، أو يذهبون للسياحة بكل كبرياء وتأنق.

تتعطش شعوب دولنا العربية إلى الإنجازات فهي ترى نفسها شامخة كبيرة ويستطيع المواطن فيها الوصول إلى تطلعاته وآماله لكن الظروف المعيشية وربما إجراءات بلداننا البيروقراطية أو سياساتها تحول أحيانا أو تؤخر إنجازا قد يحدث في مؤسسة أو مركزا أو مصنعا معينا، أو حتى على مستوى النهوض بأدوات المجتمع.

لا أنوي السير بالحديث نحو تقصير أو تضييع فرص أو تواني مسؤول وما شابه ذلك، إنما أتحدث عن حب الإنجاز وتثمينه والفرح لأجله حتى ولو كان لغير ابن البلد، نعم تجرنا العاطفة إلى ما نريد، إلى لا حول ولا قوة لتشجيع الإنجاز العربي مهما كان انتماؤه ونسبته، مصري مغربي تونسي جزائري سعودي سوري لبناني عُماني... إلخ، خصوصا إذا كان إنجازا يشار له بالجدارة في الغرب.

وترى العربي يثور بحجمه الضئيل لكل جائحة قد تحدث في الدول العربية مهما كانت علاقاتها مع بلده، بل ويبحث عن طرق المساهمة للتخفيف عن الأفراد ماديا ومعنويا، كما حدث في زلزال المغرب، أو فيضانات ليبيا، بينما يدعو على دول القوة والظلم بالخراب والتنكيل، كما يحدث الآن في موقف الشعوب تجاه فلسطين وأهلها.

هذه العلاقة العاطفية ليست وليدة موقف أو إدراك مستحدث لها، إنما هي استنهاض لعلاقة متينة سابقة أوجدها الدين الواحد والجغرافيا وتضحيات الأوائل الذين وسِعوا العالم بسيرهم ومناقبهم، ولأن العربي لا يستغرب نفسه معهم فمستوى المعيشة متقارب والوجوه تتشابه، والقبائل كذلك تتشابه.

يفرح العربي لإنجاز العربي الآخر في مجالات مختلفة، مسابقات الروبوت العالمي التي تفوق بها العقل العربي لأكثر من مرة، مسابقات الأولمبياد الدولي للرياضيات وأولمبياد الفيزياء الدولي ومعارض الهندسة والحاسب الآلي، وغيرها مسابقات عالمية تفوق بها طلابنا العرب، وفرحنا بها عربيا في أكثر من مناسبة، نفرح حينما نسمع عن عربي تفوق في الدول الغربية كما عرفنا وفرحنا لعالم الكيمياء المصري الأمريكي أحمد زويل والذي فاز بجائزة نوبل، وخالد صالح الجراح المصري الأمريكي، أيضا الذي اشتهر بعملياته الصعبة الناجحة، وسعدنا لإنجاز "عمر الشريف" الممثل المصري في بريطانيا، وممن اشتغلوا في تلك البلدان بالفن من مخرجين وممثلين لبنانيين وسوريين وعراقيين وأردنيين وسودانيين.. نفرح لإنجاز مدرب كرة القدم العربي الذي درب لفرق أجنبية خصوصا إذا أصبح صاحب إنجاز مع فريقه مثل زين الدين زيدان الذي يحمل لقب أول مدرب من أصول عربية يحصل على لقب أبطال أوروبا، نفرح للاعب كرة القدم العربي الذي يبرز في الفرق العالمية مثل محمد صلاح وحكيمي ومحرز وعلي الحبسي وياسين بونو وغيرهم، كما يتابع الجمهور العربي بشغف زيدان كلاعب سابق وبنزيما، رغم كونهما ليسا عربًا لكن أصولهما العربية عرفتنا عليهما وأحببناهما، وغيرهما ممن لا نعرفهم وتعرفهم شعوبهم حبًا وشغفًا.

لذا.. الإنسان العربي يتوق للإنجاز بعد خيبات، يتوق للتطور على المستوى المؤسسي والتنموي في هذا العالم، يتمسك بالقشور التي تحيطه بالأمل المرجو، العربي مملوء بالعاطفة نحو ما يسعده ويحاول الفرح في كل مناسبة عربية تحققت في دول الغرب، وكأنه يراد له الإبداع في غير مجتمعه، وهو يعلم أن الغرب لا يكترث به.

ومع ذلك؛ فالعربي يقول ها هُم العرب يتنافسون مع أبنائكم حتى وصل درجة التوق للإنجاز أن تمرير كرة القدم يصبح إنجازا، وليس الهدف لأن صاحب النمريرة عربي ليقال أن اللاعب العربي الفلاني قام بالتمرير ولولاه لما أحرز فلان الهدف، العربي يثمن الإنجاز حتى ولو كان صغيرا.

فَقَدَ هذا العربي الشهية بإنجازات دوله وصفق للإنجازات العربية الفردية، وهذا الأمر ليس سهلا فالعقلية منهزمة هناك ومتفتحة مشجعة للفرد، فقدت الثقة ببعض قياداتها، ولم يبق لها سوى الفرد لتفرح به، تعيش ذلك بانقباض وتشجع الفرد وتتماهى مع أي شيء ينسيها مشكلاتها وتعيش ولو للحظات إنجاز ما، كإنجاز المنتخب المغربي في كأس العالم بقطر 2022 في حين يتهكم هذا العربي نفسه على ملايين الدولارات التي تصرفها بعض الدول العربية على كرة القدم في مقابل علوم الفضاء، ثم يأتي ليتهكم حينما سُخّرت المادة لعلوم الفضاء، (الإماراتي سلطان النيادي 2023 أنموذجا)، حتى قضاياه الحاسمة كقضية فلسطين أصبحت لا تمر كثيرا عليه إلا بعد حرب أو تدخل إسرائيلي ساخطا على هذا ومستصغرا جهود آخرين سعوا لإيجاد حلول دائمة لها.

يسعد العربي بالإنجازات، أي إنجازات عربية، ويبارك وينشرح صدره كناية في الغرب أو حبا في صاحب الإنجاز، أما إنجازات الدول فيدير لها ظهره ويعتبرها مدفوعة لغرض معين قد يقلل من شأنه في نهاية المطاف، هذا هو حال العربي. البحث عن الإنجاز العربي بحث دائم، والذود عن الأفكار العربية وتشجيعها متحقق في كثير من مشاعر الحب التي تسود الشعوب، والعربي عموما يطمح أن تنهض دوله، ويسودها الإخلاص والتطور المستمر في المجالات كافةً.

تعليق عبر الفيس بوك