د. أحمد بن علي العمري
لطالما عُرف العُمانيون ببراعتهم اللغوية والشعرية مُنذ القدم، وصولًا إلى وقتنا الحاضر؛ ففي كل فترات التاريخ العُماني يتجلّى لنا ذلك عندما تكون عُمان حاضرة بعلمائها وقاداتها وشخصياتها التي أبدعت في هذا الجانب، فمن مالك بن فهم في العصور القديمة مرورًا بالخليل بن أحمد الفراهيدي وابن دريد في العصور الإسلامية، وانتقالًا إلى أبي مسلم البهلاني وعبدالله بن علي الخليلي في العصور الحديثة، وغيرهم من قادة عُمان وعلمائها الذين أثروا اللغة العربية بالكثير، ولم تتوقف إنجازات بعضهم في الإطار المحلي، وإنما تجاوز ذلك ليصل حتى العالمية، كنوع من الإسهام العُماني في إثراء الحضارة الإنسانية، فهذا الوطن العزيز الغالي يزخر بالكثير والكثير مما يمكن أن يساهم في هذا الجانب.
هكذا هي عُمان، ولّادة للنوابغ، وهنا أريدُ أن أتطرق إلى جانب من الجوانب الثقافية وأتكلم عن الأغنية العُمانية؛ حيث نجد أنها قد سبقت زمانها. وحتى لا أذهب بكم بعيدًا فيكفينا فخرًا وعلى مستوى الخليج العربي أن الفنان سالم بن راشد الصوري أول فنان خليجي تُسجّل له أغانيه في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن.
ولا أنسى هنا دور حمدان الوطني والمقيمي وغيرهم من الرواد الأوائل. وحتى نقرب الصورة فلنتحدث منذ بداية عام 1970م وهي بداية النهضة العُمانية الحديثة؛ إذ بدا فيها فنانيون روّاد، وأذكرُ هنا وبكل فخر واعتزاز الفنان العُماني القدير والوطني مسلم علي عبدالكريم الغساني الذي غنى: "عُد يا أخي لضلكوت وأرض المجد رخيوت"، وكانت هاتان الولايتان في ذلك الوقت، خارج السيطرة العُمانية للظروف التي يعرفها الجميع؛ ليتحقق ما تغنى به بعد شهور من إطلاقه لأغنيته.
وكان في بداية السبعينيات من القرن الماضي هو وزملاؤه: سعيد بن فرج الغساني ومحمد حبريش- رحمة الله عليهما- إضافة للفنان سالم على سعيد- رحمه الله- وسالم محاد وأحمد غدير- أطال الله في عمرهما- يغنون في نواحي صرفيت وتحت وابل الرصاص من أجل عُمان والوطن والسلطان.
ثم بعد ذلك يلتحق بهم زملاؤهم حكم عايل ويعقوب نصيب رحمة الله عليهما- وشادي عُمان وعوض حليص، مع العملاق عبدالله الصفراوي رحمه الله؛ ليأتي الجيل الذي يليهم والذي يلي الذي يليهم والأغنية العُمانية محلك سر!
إنَّني كأحد المهتمين والمطلعين على هذا الجانب، لأشعر بالخيبة والحسرة للحال الذي وصلت إليه الأغنية العُمانية.
ومن تجربة شخصية عايشتها بنفسي، وكنت شاهدًا عليها أن أحد الفنانين المرموقين خليجيًا وعربيًا الآن ويعتبر الأبرز على الساحة حاليًا، كان يتردد على سالم علي سعيد وأحمد غدير وسالم محاد ليأخذ منهم أغنية أو على الأقل لحن، والآن هو يتصدر المشهد.
هل ننتظر فنانينا حتى يموتوا لنُمجِّدَهُم ونشيد بهم، أم أن الأمر يتطلب أن نهتم بهم وندعمهم؟ ألا يكفي أننا فقدنا سفير الأغنية العُمانية الفنان سالم علي سعيد الذي صور أول فيديو كليب عُماني بأغنية "عش سعيد"، والتي كتب كلماتها الشاعر القدير الراحل الشيخ عوض بن بخيت العمري، ولحّنها المُبدِع السيد خالد بن حمد البوسعيدي، أطال الله في عمره، والفنان حكم عايل والفنان يعقوب نصيب والفنان مدين مسلم.
فلنحافظ على ما تبقى منهم وندعمهم فانتشار الأغنية العُمانية يعزز من شهرة البلد؛ لأن هذا المجال أصبح من المجالات التي تفتخر بها الدول مثل الرياضة وغيرها من الفنون.
لا يفوتني هنا أن أقدِّم الشكر لشركة "سابكو" التي بذلت جهدًا كبيرًا لإيصال الأغنية العُمانية إلى آفاقٍ أرحب، وكنا نتمنى لو استمرت، لكنها لم تستمر، وقد بذل القائمون عليها جهدًا يُشكرون عليه.
كذلك الشكر لشركة "هالي" التي ساهمت في نشر الأغنية العُمانية، رغم أنه لم يُكتب له الاستمرارية.
هنا أودُ أن أطرحُ فكرة وهي أن تقوم الجهات المعنية بدعم شركات الإنتاج الجادة دعمًا مُيسرًا (مثل القروض بدون فائدة تُسدد على سنوات)، ثم نُحاسب هذه الشركات سنويًا على ما قدمته للفن العُماني وكم فنان عُماني وقفت بجانبه.
وهنا أُحيِّي الفنان صلاح الزدجالي الذي طوّر نفسه بنفسه ووصل بجهوده الذاتية إلى مركز متقدم في سماء الأغنية العُمانية.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.