عضوية الشورى والميزان المجتمعي

د. محمد العاصمي

ينص قانون مجلس عُمان في المادة 26 على أنَّه "على رئيس مجلس الدولة ورئيس مجلس الشورى ونوابهما وكل عضو من أعضاء المجلسين أن يستهدفوا في أعمالهم مصالح الوطن وفقاً للقوانين المعمول بها، وألا يستغلوا عضويتهم بأي صورة لمصلحتهم الشخصية أو لمصلحة من تربطهم بهم صلة قرابة أو علاقة خاصة".

هذه المادة حدَّدت بشكل جلي مجموعة من الأطر التي ينبغي معرفتها قبل اتخاذ قرار الترشح لعضوية مجلس الشورى وينبغي استحضارها دائمًا بعد الفوز بالعضوية، هذه الأطر ماهي إلا قيم وطنية أساسية يجب أن يحملها العضو تتمثل في تغليب المصلحة الوطنية والإخلاص للوطن ومراعاة المصلحة العامة وفقًا لما حددته القوانين والأنظمة، وعدم استغلال العضوية لتحقيق منافع شخصية أو فئوية أو جهوية، مبتعدين في أداء مهامهم عن كل ما من شأنه مخالفة هذه الأطر أو المعايير.

إن التمسك بهذه الأطر رغم الضغوط التي يتعرض لها العضو من فئة محددة من الناخبين ما زالت لم تدرك أن المواطنة الصالحة تقتضي الالتزام بالنظم والقوانين وعدم مخالفتها والتحلي بقيم العدالة والمساواة بين الجميع وعدم الدفع باتجاه الحصول على ميزة محددة دون الآخرين والوصول لغاية بأي وسيلة كانت. هذا التمسك يواجه بمجموعة من الضغوط التي تُمارس على العضو، هذه الضغوط دائمًا ما كانت معيار الحكم على مستوى أدائه فمن يحصل على نصيب من تحقيق مصالحه الشخصية عبر العضو يرضى ويمتدح ويُساند ومن لا يحصل على مآربه يسخط ويرى أن هذا العضو غير مستحق للعضوية، هذه الأحكام والسلوكيات جعلت من الترشح لعضوية المجلس لدى البعض أمرا مستحيلا وغير قابل للطرح والنقاش رغم كفاءته المشهودة، كما أنها ساهمت في عدم رغبة العديد من الأعضاء في الترشح لفترات أخرى، بل إن الحال وصل ببعض الأعضاء ترقب انتهاء عضويته بفارغ الصبر حتى يتخلص من هذا القيد المجتمعي الذي أصبح يثقل كاهله ويجعله غير قادر على أداء واجبات العضوية وممارسة اختصاصاته المنصوصة في القانون.

وهنا لا أقول إن عضو المجلس يجب أن ينعزل عن المجتمع؛ فهذا أمر بعيد جدًا عن مسؤوليته المجتمعية؛ بل إنه من الواجب عليه المساهمة في تنمية المجتمع والأخذ بيد المواطن والوصول بمطالباته المشروعة للجهات المعنية، وأن يكون حلقة وصل مباشرة عندما يرى أن مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين بها قصور، وفي سبيل ذلك حدد قانون مجلس عمان عددا من الأدوات التي تعين العضو على أداء واجباته ومتابعة أداء المؤسسات الحكومية، تمثلت هذه الأدوات كما وردت في قانون مجلس عمان في البيان العاجل وطلب الإحاطة وإبداء الرغبة والسؤال وطلبات المناقشة ومناقشة البيانات الوزارية والاستجواب.. كل هذه الأدوات وُضِعَت لتمكين العضو من أداء دوره المنوط به، وفي قادم المقالات سوف أتطرق لهذه الأدوات بشيء من الشرح والتفصيل.

إنَّ حرص المترشح والناخب على اكتساب المعرفة المتعلقة بأدوار عضو المجلس وصلاحيات مجلس الشورى ترفع من معدل نجاحه وبالتالي تحقيق الهدف الذي أنشئ من أجله المجلس وتقضي على الجدل المستمر حوله والذي دائمًا ما وضع المجتمع ذاته في مواجهة مستمرة بين قبول ورفض المشاركة في العملية الانتخابية، والذي يكون هو المتضرر منها أولًا وأخيرًا، ولن تتحق هذه المعرفة إلا من خلال إدراك الجميع لدوره وقيامه به والسعي للوصول إلى معرفة حقيقية بحقوقه وواجباته واختصاص المؤسسة، متخلين عن القبول بكل ما يصل إلى أسماعهم وأخذ بعض النماذج والتجارب السيئة كمحك يحكمون من خلاله على التجارب، وأن تشكل هذه النماذج صورهم الذهنية الخاطئة متخلين عن مسؤوليتهم الحقيقية في البحث والمقارنة والاستقصاء.

في المقابل، يجب على عضو بالمجلس أن يحرص بشكل كبير على تقديم الصورة النموذجية للعضو الفعَّال الذي يقوم بواجباته ويحقق طموحات الوطن والمواطن، متخذًا من العضوية تكليفا خصه به الشعب ليصل بصوتهم وطموحاتهم إلى حيث يجب أن يكون مستلهمًا من التوجيهات السامية خارطة الطريق للرقي بهذا الوطن ورفعته جاعلًا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. رحم الله تعالى باني عمان ومفجر نهضتها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- عندما أشار لذلك قائلًا: "إن ذلك يحتم عليكم أن تبدوا آراءكم وأن تقدموا مقترحاتكم بكل تجرد وترفع عن المصالح الخاصة. وأن تلتزموا الواقعية في تناول القضايا التي تمس المصلحة العليا للوطن والمواطن، وتقوموا بمعالجتها من منظور شامل للبلاد بكل مناطقها وولاياتها، لا تهدفون في ذلك إلا إلى تحقيق الصالح العام، كما يقتضي منكم التركيز على القضايا الرئيسية وعدم الانشغال بأمور جانبية قد تعوق التوصل إلى نتائج عملية في المسائل المطروحة للبحث، متجنبين دائما كل ما من شأنه الابتعاد بكم عن الهدف المنشود". (من خطاب جلالته بمناسبة افتتاح مجلس عُمان في 27 ديسمبر 1997).

تعليق عبر الفيس بوك