أطياف رفيق العمر

 

لينا الموسوي

 

"ويضيع العمر منِّا يا رفيق الدرب تاه الدرب منِّا في الضباب" فاروق جويدة.

بعد انشغال الإنسان في دوامة الحياة منذ أن يشتد عوده إلى مرحلة الكبر يلتقي خلال مراحله العمرية شخصيات متعددة منها القريب ومنها الغريب ومن خلال تجاربه معهم قد تتقارب أرواحهم فتلتصق أو تتنافر فتبتعد، لكن يبقى الإنسان دائما بحاجة إلى رفيق يرافق دربه قد يكون صديق عمر مقرب أو شريك حياة محبب له.

في يوم من الأيام وأنا جالسة على ضفاف نهر الراين، لفت انتباهي زوجان يتجاوز عمرهما الثمانين عامًا يتهامسان كطيور حب جميلة.. امرأة تجلس على كرسي متحرك محاطة بأجهزة تنفس يحملها رجل كبير في السن يجلس بالقرب منها. منظر جميل طبع صورة في ذهني، وأخذني فكري نحو قصة المسيرة الطويلة التي سلكها هؤلاء الذين ما زالت قلوبهم متحابة وأرواحهم متلاصقة إلى هذه المرحلة العمرية متخطين معًا كل ما قد مرَّ عليهم من صعاب مترابطين متعانقين بين الضباب.

من المعروف بعد أن يكمل الآباء مسيرتهم التربوية ويصلون إلى مرحلة متقدمة من العمر تتحول حياتهم إلى فراغ كبير، تسكن أجسادهم الآلام وتُعانقها حسرات الماضي والذكريات وقلة الأحلام؛ حيث تتحول حياة بعض منهم إلى روتين مليء بالحيرة والجفاء بعد متغيرات الحياة و انشغال الأبناء والأحفاد، فنجد أن القليل منهم من أدرك وجود أهمية من حوله مثلاً شريك حياته الذي قد يكون ما زال يرافقه ويهتم به فيستفيد من وجوده مغذيًا مشاعره بمودة ورحمة وعشرة وهدوء ونعمة، ونجد أن هناك من يتيه عميقًا في مشاكل الأبناء والأحفاد مرهقًا نفسه حاملًا أثقالا على ظهره متناسيًا غير مدرك أنه قد أدى دوره وكل ما عليه فعله هو الاهتمام بنفسه ليخفف عليهم حمله ويسعد قلوب من أحبه، ونجد أن من يحاول أن يتأقلم مع واقعه ويجدد نفسه وتطوير ذاته على قدر استطاعته بما ينفع محيطه من خبرات وتجارب وأفكار تسعد روحه وتشعره بوجود ذاته وأهميتها وإيمانه بأنه قدم كل ما يملك فيستحق أن يقدم له.

فما أجمل أن يقيم كل شخص أهمية ذاته ونعم الله عليه بوجود رفقاء له؛ سواءً كانوا أزواجا حميمين أم أولادا صالحين أم أصدقاء محبين، فيستفيدوا من وجودهم حوله وينعمون بحبهم وتسامحهم له وإدراك أنه لا يوجد في الحياة ما يستحق إبعادهم عنه لأنه يستحق أن ينعم بهم وينيروا ما تبقى من طريقه بسلام وصفاء وراحة.

تعليق عبر الفيس بوك