القيادة التحويلية في المؤسسات

 

د. علي بن حمدان البلوشي **

 

ساهم العديد من الباحثين في نهج القيادة التحويلية منذ أوائل الثمانينيات وميزوا بين قادة المعاملات والقادة التحوليين إذا كانت قيادة المعاملات تعمل من خلال تعليمات واضحة ومكافأة وعقاب، بينما القيادة التحويلية- كما ذكر الباحث Kemble في 2003- تعمل من خلال الدافع والمشاركة، وكلا النوعين من القيادات لهما مزايا وعيوب؛ حيث يتم التأكيد على مفهوم المكافأة والعقاب كمكون رئيسي في نظرية المعاملات، لأنه مستوحى من أسلوب العمل الصناعي، ويركز اهتمام الموظفين على الربح والخسارة أكثر من الاهتمام بالنتائج.

أما نظرية قادة المعاملات فقد استمدت إلهامها من الفلسفة السياسية؛ حيث أدلى الموظفون بأصواتهم لانتخاب قائد من اختيارهم حتى يتمكنوا من الحصول على بعض الفوائد. وقد يميل قادة المعاملات في حالات استثنائية للنظر في الاحتياجات الفردية للموظف بمكافأة موظفيهم إذا كان أداؤهم يتجاوز المتطلبات العادية ويستحقون الثناء والمكافأة على تجاوز التوقعات. الّا انه تم انتقاد هذه النظرية على أساس أن مفاهيم القيادة أوسع وأشمل من المفاهيم التقليدية. ولذلك فإن خصائص الفرد وأفعاله ليست بنفس أهمية السياسات التنظيمية، ويؤكد القادة السياسيون على الاعتماد على الذات، واستقلالية القطاع الصناعي ومساندة الإعلام لتمجيد الحقائق وبالتالي فإن هذه النظرية لا ترضي العديد من الباحثين والعلماء في قطاع الشركات بشكل عام والتربويين بشكل خاص.

من ناحية أخرى، فإن القيادة التحويلية وفقًا لـNorthouse أنها أسلوب قيادة يهتم بتعاون الموظفين مع بعضهم البعض، وزيادة مستويات التحفيز لديهم، وتشجيعهم على تحقيق أهدافهم التي ينبغي أن تتجاوز المصالح الشخصية وتفيد الجميع والمؤسسة بأكملها ممايشعر الموظفون باحترام كبير تجاه القائد ويحبون العمل ويحققوننتائج أكثر مما هو متوقع منهم.

يعتقد غالبية الباحثين أن القادة التحوليين يمكن أن تكون لهم بعض النتائج المذهلة من خلال هيكلة رؤية المنظمة المستقبلية، وتوفير نموذج متوافق مع الرؤية. وكذلك من خلال توفير الدعم الفردي وتعتبر النظرية مهمة أيضا لأنها مرتبطة برضا الموظفين وجهود الإبلاغ الذاتي والأداء الوظيفي.

تم اقتراح نفس الفكرة من قبل الباحثين Pass ،1990 وKonger،1999 اللذان يقترحان أن القادة التحوليين متاحون دائمًا لتحفيزوتقديم الدعم لموظفين ها وتقدير عملهم في مناسبات مختلفة مثل الاحتفالات والمناسبات الثقافية حيث يرفع القائد التحويلي اهتمامات موظفيه داعما أهدافهم الشخصية جنبا إلى جنب مع أهداف المنظمة.

أثيرت بعض الاعتراضات فيما يتعلق بالجدل بشأن التطبيق العملي لكلا النظريتين وفعاليته أنه فعال لبيئة تمكينيه. اقترح McGregor (1960) الفرق بين قادة المعاملات والتحويل وذكر أن الاثنين متضادان بوضوح حيث يستخدم قادة المعاملات المكافآت لتحفيز الموظفين على إنجاز المهام الموكلة إليهم مقارنة بالقادة التحوليين الذين يشاركون مع الموظفين واعلامهم بأهمية النتائج والطرق الأكثر فعالية لتحقيق الأهداف التنظيمية.

نظرا لأنه لا يمكن إهمال ضغط التغيير، كما يرى Robinson (2000) أيضا أن التكيف يخضع دائما لهذا النوع من الضغوطات حيث تقوم المنظمات بتعديل هيكلها التنظيمي ليتوافق مع طلب السوق ورضا العملاء والاتجاهات الناشئة والقدرة التنافسية. في ضوء كل هذه التغييرات، أظهرت المنظمات تفضيلًا للقيادة التحويلية التي اعتقدت أنها يمكن أن تعالج هذه التحولات بفعالية وتعيد بوصلتها الى اتجاهات متعددة والسرعة في تطوير وتجويد منتجاتها وخدماتها والاستفادة تكنولوجيا المعلومات والابتكار. ومثالا على ذلك قامتالشركات الكبيرة مثل جنرال موتورز وAT&T بعد ذلك بتنفيذ تغييرات كبيرة لمواجهة التحديات المذكورة أعلاه.

تتمتع القيادة التحويلية بالقدرة على إيجاد الحلول بنهج متزامن يركز جميعها على التحفيز والتشجيع والمشاركة وهو ما اكده كلا الباحثين:Refes ، 2004 وHay،2006 على أهمية هذا النمط في القيادة لأنه يتضمن أيضًا أهمية منظور اخلاق العمل لإنجازات الأهداف ويتم الحفاظ على مستوى التزام الموظفين حيث يشعر الموظفون بالارتباط النفسي مع القادة بسبب أسلوب ومهنية العمل لدى الرؤساء.

وفقًا للنهج الهيكلي النفسي هناك أيضا علاقة عميقة الجذور بين الشخصية العامة للقائد وعلم النفس، فهي علاقة عميقة الجذور بين الثقة بالنفس والقيادة الناجحة كما أكدت الكثير من الدراسات. الثقة بالنفس هي جانب مهم في سيكولوجية شخصية الإنسان وتساعد القادة على التعامل مع مجموعة متنوعة من المواقف وفي مفاهيم القيادة التحويلية، تعكس عناصر علم نفس القادة الفعالين اهتمامهم بالإنتاجية وإيجاد حلول للتحديات الناشئة، لكنهم يسعون إلى ذلك من خلال التعاون والتحفيز والمشاركة والمكافأة.

يؤدي تفاعل القادة مع المتابعين بنجاح إلى إنشاء بيئة عمل عالية الفعالية تعود بالنفع على المنظمة والموظفين. علاوة على ذلك، فإن هذا النوع من المواقف يزيد من النتائج من خلال تلبية متطلبات المنظمة واحتياجات الموظفين. يجب أن يكون القادة موجهين نحو الهدف من خلال علاقة فعالة مع الموظفين؛ لذلك اعتبر كلٌ من Cheung وWong، 2011 أن القيادة التحويلية ناجحة في تحسين الإنتاجوتمكن القادة من ايجاد بيئة من الاحترام والثقة والولاء والتي هي ذات طبيعة نفسية أكثر من المفاهيم العملية العامة.

 هناك بعض المؤشرات التي يمكن اعتبارها لقياس سلوك القائد بحيث يمكن تطوير مفهوم فعال للغاية لوضعه كمعيار للمنظمات. في هذا الصدد، يركز علماء النفس على البنية النفسية؛ يهتم باحثو السمات أكثر بالخصائص، ويؤمن نهج المعاملات بالمكافأة والعقاب، والقيادة التحويلية تدور حول تطوير العلاقات.

ولفهم قدرة ومستوى الصفات والسلوك القيادي في كل من أنواع القيادة التحويلية والمعاملات، أضافت النظرية ثلاثة عوامل إضافية إلى القيادة التحويلية، والتي تُعرف أيضا باسم مؤشرات القيادة التحويلية الفعالة. ويشير التأثير المثالي إلى مؤشر للقادة للعمل كنموذج لأتباعهم الذين يشعرون أن القادة يبنون الثقة مع موظفيهم لتمكينهم من الأداء بفعالية من خلال دوافع ملهمه وأخرى تحفيزية. فالدافع الملهم يعني بالمنظمة ككل وقوم القادة بتحفيز جميع الموظفين على تنفيذ أفكارهم؛ اذ إن القادة هم من الشخصيات الكاريزمية التي تلهم مرؤوسيهم لاتباع أفكارهم ومنهم على سبيل المثال مارتن لوثر كينغ المعروف بخطابه الشهير "لدي حلم" عام 1963، والرئيس الأمريكي جون إف كينيدي، الذي أدرك رؤيته لوضع رجل على سطح القمر بحلول عام 1970.

أما التحفيز الفكري فإنه يتعلق بالوعي لدى القادة لمواجهة وحل أنواع مختلفة من المشاكل التنظيمية ويتوقع القادة التحويلين أن يكون الموظفين مبتكرين ومبدعين وبذلك يحصلون على أفضل أداء من موظفيهم عندما يحفزونهم ويستجيبون لاحتياجاتهم.وقد ذكر الباحث Waddell (2015) أن هؤلاء القادة لديهم القدرة على التأثير على قرارات واتجاهات الموظفين والمنظمات ومواجهة التحديات والقدرة على حل المشكلات والتفاوض في المواقف المعقدة. كما إن لديهم القدرة على حل القضايا الخطيرة للموظفين بما يتصفون به من قدرتهم الفطرية أو المكتسبة للاحتفاظ بالموظفين الأكفاء الذين يمثلون أصولا لمنظمة إيجابية. وأيضا يتميز هؤلاء القادة بالحماس والتصميم على تحقيق أهداف المنظمة.

ويعتمد أساس هذا المفهوم على أربع افتراضات؛ وهي: اكتساب القادة والمحافظة عليهم بشكل شرعي وأن تكون هناك معايير اختيار بناءً على سماتهم وعلم النفس السلوكي وأن يكون لهم تأثير على أعضاء المنظمة لإنجاز المهام الموكلة إليهم، والمشاركة مع جميع أعضاء المنظمة. ومن بين القيم الأخرى فهم المهمة والاستراتيجية الواضحة ومهارات الاتصال الفعال والمشاركة مع الموظفين وتوافر المعلومات المطلوبة.

ذكر الباحث عمران (2016) أن القيادة التحويلية تتطلب خيالا واسعً يعتمد على المعرفة لأن الخيال الغني هو المصدر الحقيقي لتوليد مثل هذه الأفكار التي أحدثت ثورة في نظام المنظمات حيث يكون القائد صاحب رؤية شريطة أن يتم إثرائه بخيال واسع وفهم للمواقف المعقدة التي تساعد في خلق بيئة مواتية. ومع ذلك، فقد تم توجيه اللوم أيضا إلى القيادة التحويلية بسبب العديد من العوامل التي لا يمكن التغاضي كما أشار اليها اللورد أكتون (1986) بأن النقد الرئيسي لهذه النظرية التي تقول إن القادة قد يسيئون استخدام السلطة لأن السلطة تميل إلى الفساد حيث يؤمن علماء النفس بتحليل نفسية الإنسان، وخاصة للقادة، لذلك فمن المنطقي تماما توقع أن القادة قد يستغلون الموظفين لمصالح شخصية مثل الحوافز والترقيات. وقد أكد المفكر Hay (2006) والذي قام بفحص نقدي لسلطة القادة واقترح أن بعض القادة التحوليين يميلون إلى استغلال الموظفين ويفشلون في مراعاة مصالح كلا الجانبين منوها الى أن القادة التحوليين على الأرض يسيئون استخدام السلطة لتحقيق نتائج غير متوقعة وإحداث تغييرات فقط بسبب التحفيز والتدريب.

قدم المفكر Goldberg ، 2001 خمس قواسم مشتركة للقيادة أدى إلى ترشيد العيوب باعتبارها مهمة جدًا في القائد الفعال. هؤلاء هم: (1) القادة يؤمنون بما يفعلونه، (2) يمكنهم "السباحة ضد التيار" لإنجاز الأهداف، (3) لديهم ضمير اجتماعي، (4) لديهم هدف جاد، و (5) يمكنهم إنشاء نموذج لإتقان الموقف. إضافة الى ما يسمى بالضمير الاجتماعي واقترح بعض الباحثين مثل اعتماد هذا النوع من النظرية مع بعض التعديلات للتأكيد على القيم الأخلاقية، بينما يدعم المفكر Sceiffer (2006) تكامل مفاهيم القيادة الإبداعية المشتركة،والتي من شأنها أن تمكن القيادة التحويلية من تضمين كل منظور ذي صلة لتحقيق نتائج فعالة والاستجابة الفورية للتحديات العالمية. وقد شدد على تكامل مفاهيم القيادة الإبداعية المشتركة لأنه يعتقد أن كل فرد ووحدة في المنظمة لها منطقها الخاص ورؤيتها وعقلانيتها، مما يقيد الإنتاجية مقترحا دمج المفاهيم الإبداعية المشتركة للتمكنالمنظمة من التكيف مع بيئتها ، حيث أن هذا النوع من النماذج يتعلق أكثر بكثير بتقديم حل يمكن أن تقبله المنظمة بشكل جماعي وأن القادة يمكن أن يصبحوا مبدعين إذا كانت لديهم القدرات لتشجيع أتباعهم على المشاركة في صنع القرار، وفهم احتياجاتهم وتقييمها، والثقة بقدراتهم الفريدة في الأداء وتقديرها.

في الختام.. للقيادة التحويلية تأثير طويل الأمد وملهم على المنظمات والموظفين لإيجاد بيئة تحفيزية ومتكاملة تعمل برؤية واضحة واهداف محددة يحققها القادة التحويليون من خلال التواصل الفعال وقنوات التفاعل القائمة ومشاركة المعرفة بين موظفيها.

** مستشار أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك