عليك بالنصل يوم تحصل

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

لفترة ليست بالقصيرة أذهب بالفكر بعيدًا وأتعمق في قراءة هذا الكنز الكبير من الإرث التاريخي للوطن وهو الخنجر العُماني، وفي كل مرة أجد بُعدًا جديدًا؛ بل ومُهمًا في عالم الخنجر، فلا شك أنها وفي عمق السنين البعيدة وتاريخ نشأتها بدأت بآلةٍ حادة أقرب إلى أنها أداة تُساعد الإنسان في حياته اليومية، كما كان عليه إيقاع ذلك الزمان وحاجته، وبدلًا أن تشغله حينما كان يحملها في يده دومًا، فكّر القدماء بربطها بحزامٍ كي تلازمه دومًا من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون قريبة منه عند الحاجة إليها.

وبعد ذلك استُحسِنَ الأمر لأنها ستجعل يديه حرتين للأعمال الأخرى، هذا الأمر لم يقف عند ذلك الحد ولأنَّ الدنيا مليئة بالمفاجآت من بني البشر أو الوحوش والضواري لذا كانت استئناسًا وشعورًا بالثقة وانطلاقًا إلى مواجهة الحياة فهي كما يشبه المسدس اليوم لأنه الأقرب ليد الإنسان عند الحاجة بل إنه يلازمه في كل تحركاته دونما أي صعوبة أو انشغال.

ومع الأيام ولأنَّ الإنسان تُعلّمه التجارب والمواقف، بدأ مستخدمو الخناجر بتطويرها بقبضة مناسبة وقوية تتحمل عبء الاستخدام مع لمسة جميلة وروح للأصالة والمباهاةـ وتوقف اسم القبضة إلى ما هو أنسب في رؤية الإنسان العماني إلى شيء ساير أصالته وسمته وسميت القبضة بـ"القرن". وهنا وقفة مُهمة من خلال هذه الكلمة، ولماذا هذه المفردة تحديدًا، ذلك لأنها من الزراف الأصلي والذي يعود إلى قرن حيوان مُعين، وليس غيره، فساير الاسم وتناسب. ولأن الزمان ليس بتلك الرؤية الجمالية للخناجر بالدرجة الأولى، فقد كان للنصلة وهي السلاح الأساسي عالمًا واسعًا من آفاق الفكر والتاريخ العماني، وبذلوا الغالي والنفيس لواجهة شخصيتهم وهي الخنجر، وقد يكون بعضهم دفع كل ما يملك ليضع عنوانًا بارزًا من شخصيته المرتبطة بنصلة الخنجر التي يتسلح بها ويباهي بها الدنيا وماعليها، فوصفت بعض الأنصال بأنها صنعت من بقايا حديد البرق الذي يضرب الأرض، والبعض الآخر من حديد بنوعيات خاصة جدًا، وهنالك من الخناجر التي حملت ألقابًا ومواقفَ وارتبطت بأحداث تاريخية مهمة، سايرت التاريخ العماني الغني بمثل تلك الأحداث التي وثقها الزمان، وكذلك الحزام المصنوع من الفضة أصبح يشكل صورة بهية وهيبة ووقارًا لمن يرتديه، وكذلك فإن البعض أضاف سكينًا مفضضة ومحمية بجلد خاص، ومنهم من أضاف سلسلة فضية تحتوي على جوانب أخرى مهمة في حياتهم العملية.

‏لست بصدد كتابة التاريخ والخنجر كجزء منه ولا حتى وصفها؛ لأن هذا الأمر أكبر بكثير من أن يوصف في هذه العجالة، غير أني أريد أن أصل بالفكر إلى كل عماني محب لأرضه وتاريخه وأصالته أن الخنجر ليست فقط للزينة بحجم ما هي زينة معنوية رجولية، تربط التاريخ بأهله. ومن هنا أريد أن أصل بالكلمة أيضًا إلى أنَّ الحضور في أي محفل بالخنجر يزيد من هيبة الرجل ويميزه بين الحضور ويجعل منه واجهة وشخصية مميزة، لأنه جزء لا يتجزأ من سمة الارتباط بالتاريخ وروح الانتماء إلى عالم خاص، هو دون أدنى شك ملهم وراوٍ لعطش كل من يحب تاريخ الأصالة وربطها بملاحم الأيام التي تشكلت منها الدول والحضارات، وستبقى نصيحة العارفين بأحداث الدنيا وما بها وما عليها أن "عليك بالنصل يوم تحصل".