فايزة بنت سويلم الكلبانية
لا ريب أنَّ رأس المال ركيزة أساسية من ركائز النُّمو والتَّقدم؛ بل والحياة بشكل عام، فضلًا عن دوره المؤثر والفعّال في أي حراك اقتصادي ومجتمعي، وعادة ما يكون توفير التمويل المناسب وإتاحة رأس المال، واحد من بين تحديات عدة تُعرقل كل من يُخطط ليبدأ مشروعه الخاص أو خوض غمار ريادة الأعمال وحتى العمل الحر.
التحديات التمويلية سببٌ في تعثر كثير من المشاريع ولاسيما في ظل الأزمات الاقتصادية وتبعات تأثيرات كوفيد-19، والكل يبحث عن التسهيلات البنكية والقروض الميسرة والفوائد الأقل، خاصة وأنَّ البعض من المشروعات مهدد بالإغلاق ومنهم من وصل إلى أروقة المحاكم نتيجة لعدم قدرته المالية على سداد قرض أو دين يطالب به من بنك أو إنسان آخر يعده مصدرًا للدخل. كل هذه التحديات تفرض على المسؤولين القائمين على شأن القطاع المصرفي أن يسعوا لتعزيز وتحفيز هذا القطاع الذي يمثل أحد الأركان والأعمدة الأساسية والمفصلية في نمو أي اقتصاد، من خلال اتخاذ إجراءات متنوعة تساعده على أن يكون قادرا على المساهمة في الاستثمارات، وتقديم القروض للمستثمرين ورواد الأعمال، الذي هم في أمس الحاجة للسيولة لمواصلة تنفيذ المشاريع وتوسعتها، الأمر الذي سيكون له المردود الإيجابي في نمو الاقتصاد وتوفير الوظائف بل والحفاظ على العاملين القائمين بدورهم. مثل هذه القروض المُيسّرة ستُساعد أصحاب الأعمال على تأسيس مشاريع جديدة تدعم النمو الاقتصادي لعُماننا.
وقد شهد القطاع المصرفي في الفترة الأخيرة تطورات كثيرة، كان آخرها الموافقة على فتح فروع لبنوك إقليمية في سلطنة عمان مثل: بنك إتش إس بي سي الشرق الأوسط المحدود، وبنكي المشرق والخليج الدولي، إضافة إلى منح ترخيص لإنشاء بنك الاستثمار العماني.
ولا شك أنَّ دخول عدد من البنوك الجديدة والتغييرات عليها سيكون له تأثيراته الإيجابية في تعزيز رأس مال البنوك والقطاع المصرفي والتنافسية؛ إذ يعمل كل بنك على تقوية رأسماله لا سيما وأنَّ أغلب البنوك معنا تعد "بنوك محافظة"، لكونها تتخذ نفس السياسة في أعمالها وأقسامها واشتراطاتها وتكون بصعوبة تعمل على التغيير، وقد توالت الورش والفعاليات الاقتصادية التي تدعو لتحفيز القطاع ليعمل على تحقيق متطلبات رؤية "عمان 2040"، ولكن لابُد من وقفة تحفيزية جادة لهذا القطاع كون أن حلحلة التحديات المالية تقوم على هذا القطاع من خلال إنعاش المشاريع بالتمويل اللازم منخفض التكلفة.
النمو الاقتصادي المنشود لن يتحقق إلا بتضافر جميع الجهود، وعلى رأسها جهود القطاع المصرفي، فالوقائع تشير إلى أن هذا القطاع يُحقق أرباحا عالية، وهو ما يعني أنه بالإمكان خفض معدلات الفائدة دونما تأثير على ربحية البنك، نعم قد تتراجع الأرباح، لكن في المقابل ستتوسع الأنشطة الاقتصادية، وستتحول بؤرة الاهتمام إلى قطاعات ومشاريع كانت في أشد الحاجة إلى التمويل. الآن العديد من دول العالم تستهدف تعزيز التمويل المنخفض التكلفة، بعدما تسببت زيادة معدلات الفائدة في أنحاء العالم في تقويض الأنشطة الاقتصادية، وكبح جماح التوسع في المشاريع المختلفة، الأمر الذي انعكس بدوره على حالة الركود الاقتصادي التي تئن منها مُعظم الاقتصادات.
إننا نحتاج إلى حزمة التمويلات المُيسّرة في صورة قروض وسُلف إلى مؤسسات القطاع الخاص، تساعده على تنمية أعماله وتوسعتها، لكي يعود كل ذلك بالنفع على الاقتصاد الوطني وأدائه العام ومعدلات نموه، خاصة وأننا نحقق تقدما جيدًا في أرقام الميزانية العامة للدولة، من حيث الفوائض المالية التي تسجلها الحكومة، في كل ربع سنوي، بالتوازي مع جهود التنويع الاقتصادي في المجالات غير النفطية، لاسيما في المشاريع النوعية في المناطق الاقتصادية والخاصة والحرة وكذلك المناطق الصناعية.. فهل نشهد خلال المرحلة المقبلة إطلاق حزم تمويل منخفضة الفائدة لدعم نمو القطاع الخاص أو أن يُعلن البنك المركزي العُماني خفضًا في أسعار الفائدة تزامنًا مع معدلات التضخم المنخفضة؟! نأمل ذلك بشدة.