نظرات للعام الدراسي الجديد

 

حمد الحضرمي **

 

بدايةً نُهنئكم بالعام الدراسي الجديد 2023 / 2024م، وعودًا حميدًا، وأطيب الأمنيات نتمناها لوزارة التربية والتعليم ولكافة المسؤولين والموظفين بها، وللهيئات الإدارية والتدريسية (المعلمون والمعلمات) ولأبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، ونرجو لهم جميعًا عامًا دراسيًا مليئاً بالجد والاجتهاد والنشاط والمثابرة، وبالعطاء والتفوق والتميز والإبداع.

  وإنها مناسبة وفرصة لنبعث رسائل إلى ركائز وعناصر منظومة التعليم التي أولاها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - الرعاية والاهتمام، والتي ركَّز عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في خطابه في بداية تولي مقاليد الحكم، وأكد أن الاهتمام بقطاع التعليم سيكون في أعلى سلم الأولويات الوطنية، وسيمد بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة، ويعد التعليم في بلادنا الحبيبة عُمان إحدى الدعائم الرئيسية في رؤية "عُمان 2040"، ويحظى بدعم ورعاية سامية، وتتجسد الرؤية التعليمية في تعليم متطور وفق أعلى المعايير من خلال التوجه الاستراتيجي "تعليم شامل وتعلم مستدام وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنية منافسة".

إنَّ بناء الأوطان لا يتحقق إلا من خلال إعداد وتأهيل الإنسان ليستطيع تحمل المسؤولية، وهذا لا يتم إلا بالعلم الذي هو مصدر القوة والشموخ لكل دولة، وحتى تتحقق الغايات المرجوة من التعليم، يتطلب الأمر أن يكون النظام التعليمي واضح الأهداف ومحدد المعالم ومتنوعاً، والمناهج التعليمية وأساليب التقويم متطورة، لأن لفلسفة التعليم الحديث مصادر وأسس متينة، تعتبر دعائم راسخة لبناء الأجيال وإعدادهم للمستقبل المشرق، ولن تتحقق الغايات التعليمية إلا إذا عملت منظومة التعليم بجميع عناصرها ومؤسساتها على تحقيق الأهداف التعليمية على أرض الواقع وفي الميدان والحقل التربوي.

والتعليم مسؤولية وشراكة مجتمعية، تشترك فيها مختلف مكوّنات المجتمع إلى جانب وسائل الإعلام، ومؤسسات القطاع الخاص، والمجتمع المدني، وللوزارة الدور الأكبر في رسم السياسات التربوية والتعليمية وفق خطط استراتيجية، ومشاريع تطويرية تعليمية، وذلك حتى ترتقي عناصر المنظومة التعليمية، وتحقق المؤسسات التعليمية رسالة التعليم السامية على أكمل وجه، ويتطلب الأمر من وزارة التربية والتعليم وكافة المُؤسسات المعنية بالتعليم العمل على مشروع وطني يطور قطاع التعليم بمختلف أنواعه ومراحله ومستوياته ومخرجاته، والعمل على ضمان جودته، وذلك بما يتفق مع السياسة العامة للدولة وخُطط التنمية وحاجات سوق العمل.

ويتطلب الأمر متابعة الأداء التحصيلي لكل مدرسة سواء على مستوى المحافظة أو على مستوى السلطنة، وذلك بتنفيذ استراتيجية تعمل في الممارسات الإشرافية، حيث يقوم المشرفون بتحليل نتائج الطلاب في كافة المواد الدراسية وزيارة المدارس التي تحتاج إلى دعم من واقع البيانات الإحصائية المختلفة، والحاجة ماسة إلى التوعية والإرشاد الطلابي المدرسي من خلال الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس، لما لهم من أدوار اجتماعية ونفسية تساعد الطلبة على مُعالجة مشاكلهم الأسرية والتعليمية، والأمر يستدعي الارتقاء بالمعلم وصقل مهاراته وقياس أدائه، وإيجاد آليات وخطط واضحة لتدريبه ومتابعة وتحليل أدائه في الحقل التربوي.

كما يتطلب الأمر التركيز على الطلبة واكتشاف سماتهم الشخصية وميولهم المهنية، وتوجيههم إلى مساراتهم التعليمية والمهنية الصحيحة التي تتناسب مع تلك الميول والقدرات، مع تعريفهم بالتخصصات الأكاديمية المطروحة في مختلف مؤسسات التعليم العالي داخل السلطنة وخارجها ويجب الاعتناء بالطلبة والطالبات وتحفيزهم لدراسة مواد العلوم والرياضيات، وتشجيعهم على البحث والاستقصاء والتفكير العلمي المنظم وتنمية ملكية الابتكار لديهم ورفع مستويات تحصيل الطلبة في مختلف المواد مع تفعيل الجانب التطبيقي العملي في دراستهم.

ورسالتي الأخيرة مناشدة لمن يعنيه الأمر حتى يرتقي التعليم معنا لمستوى عالٍ، وهو إعطاء المعلم حقوقه كاملة غير منقوصة، لأنه يستحق الإشادة والتكريم، فالناظر إليه يشفق عليه وعلى أحواله، ويحزن لأوضاعه ولما يمر عليه من تحديات وصعوبات ومشاكل طوال رحلة عمله كمعلم تربوي، إن مهنة التعليم للأسف الشديد أصبحت في عصرنا الحالي مهنة مهانة اجتماعيًا ووظيفيًا.

إنَّ المعلم الركن الأساسي في العملية التعليمية والتربوية، وهو القدوة الحسنة التي يقتدي بها الطلاب في سلوكياتهم، وكل ما يحتاج إليه المعلم كونه إنساناً لديه أحاسيس ومشاعر، أن يقدم إليه التقدير والاحترام والثناء والعرفان على جهوده المبذولة وعطائه المثمر، ويستدعي الأمر كذلك تعديل الوضع المالي للمعلم، حتى نشجعه على التركيز على عمله التعليمي الرائد وتطوير أدائه، وعدم البحث عن مصادر أخرى للدخل، وكل عام والمعلمين والمعلمات الكرام في أحسن وأطيب حال، ونرجو لأبنائنا الطلاب وبناتنا الطالبات التوفيق والنجاح والسداد.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك