علي بن مسعود المعشني
عندما خرج الأمريكان من العراق وسحبوا قواتهم في جنح الظلام عام 2011، بعد أن تيقنوا من استحالة حصولهم على معاهدة بمباركة شعبية عبر الاستفتاء الشعبي نتيجة الرفض الشعبي لهم، واكتفوا باتفاقية مع الحكومة كبديل عن المعاهدة المستحيلة؛ حيث جعل الأمريكان من الاتفاقية والانسحاب نصرًا مدويًا لهم وعلى طريقة هوليود المعروفة عنهم!!
المهم في توقيت الانسحاب، أنه جاء بعد خسائر فادحة تكبدتها القوات الأمريكية ورديفها من الحلفاء ومرتزقة "بلاك ووتر" نتيجة ضراوة فصائل المقاومة التي لم يعرها الأمريكيون والحلفاء التقييم اللائق بها، كما إن السبب الرئيس الآخر للانسحاب المُخزي أتى نتيجة تقادم الأسلحة الاستراتيجية للجيش الأمريكي وخروجها الفعلي من الخدمة، وهذا ما دفع برئيس الأركان المشتركة الأمريكي حينها للتصريح بالقول إن الجيش الأمريكي غير قادر على خوض أي حرب خارج الولايات المتحدة الأمريكية قبل حلول عام 2023.
لهذا السبب لم يتفاعل الجيش الأمريكي مُطلقًا مع تهديدات الرئيس باراك أوباما عام 2013 بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا بعد الاتهام المزعوم باستخدام السلاح الكيماوي؛ حيث رفضت قيادة الجيش الأمريكي تلك الضربة رغم تنازلات الرئيس وتخفيضه لبنك الأهداف مرارًا، وتصريحه بأن الضربة ستكون صاروخية فقط ولن تحتاج إلى تواجد عسكري على الأرض، لكن القيادة العسكرية احتفظت بقناعتها بعدم جهوزية الجيش الأمريكي للقيام بأي عملية عسكرية، والحاجة الماسة إلى ترميم عدته وعتاده بعد مستنقعي أفغانستان والعراق.
اليوم نحن في عام 2023، العام الموعود لترميم عدة وعتاد الجيش الأمريكي وجهوزيته لخوض مهام قتالية خارج جغرافيته، لكن المتغيرات على الأرض اليوم كثيرة ولم تعد تسعف الأمريكي للعب دور "سوبر مان" كما كان سابقًا.
الأمريكان أوفياء جدًا في حماية ربيبتهم المسماة إسرائيل، فهي قاعدتهم المتقدمة وذراعهم التخريبي في قلب "خير أمة أخرجت للناس"، وبالتالي لن يألو جهدًا أو يدخروه في سبيل تحقيق ذلك. والأمريكان، في المقابل، يعلمون- لكنهم لا يدركون- أن صنيعتهم الكيان الصهيوني محاطٌ ببحر من الكراهية والبغضاء وتراكم الثأرات مع الأمة العربية، وأن هذا الكيان اليوم أصبح في حكم الزائل بعد تحول تلك المشاعر إلى أفعال يومية على الأرض، لهذا فلن تنفعهم إقامة منطقة عازلة حصينة اليوم بين العراق وسوريا؛ لأن الصواريخ والمُسيّرات لا تعترف بالحدود والمناطق العازلة على الأرض، ولأن أسرار تلك الأسلحة أصبحت في متناول جميع مكونات حلف المقاومة من أقطار وفصائل، وبالتالي فذريعة التهريب والإنفاق وإغلاق الحدود، أصبحت من الماضي.
الأمريكان بوجودهم اليوم على الأرض وفي البحر يجعلون من أنفسهم أهدافًا سهلة وقريبة، ليس من الخصوم المستهدفين علنًا؛ بل من كل من له ثأر مع أمريكا وما أكثرهم في الشرق والغرب والجنوب، ولن يشفع لهم الحلحلة الجزئية مع إيران في تحييد إيران من أي حماقة أمريكية في المنطقة، فلكل مقام مقال ولكل قضية ملف.
العارفون بالسياسات الأمريكية يدركون أن هذا الضجيج الاستعراضي اليوم، ليس سوى "سيناريو حافة الحرب"، كورقة بائسة للأمريكي العاجز، والذي أفلس في تمرير غاياته ومخططاته في إيران والعراق وسوريا ولبنان عبر أدواته وعملائه؛ الأمر الذي أجبره اليوم على الخروج بنفسه على خشبة مسرح الأحداث والقيام بمهمة المواجهة منفردًا، مُتناسيًا الثأرات الظاهرة والمرتقبة له من العرب والروس والصينيين، وغيرهم في الخفاء ممن يتمون زوال أمريكا حتى من قبل بعض حلفائه الظاهريين من الأوروبيين أنفسهم.
يجب أن لا ينسى الأمريكان- أو يتناسوا- أن السنوات العشر التي عكفوا فيها على ترميم أسلحتهم ونفسيات جنودهم، هناك في المقابل من رمَّمَ الكثير من العدة والعتاد خلال تلك الفترة استعدادًا لمنازلة اليوم.
قبل اللقاء.. يقول ونستون تشرشل في وصف الأمريكان: "الأمريكان لا يفكرون؛ بل يجربون حتى يفشلوا"، وقد صدق في هذا الوصف وهو الكذوب!
وبالشكر تدوم النعم.