وداعًا الشيخة الكريمة

 

سلمى المعشني

لعل ليس هناك أكثر ألمًا من فقد الخيريين من النَّاس، وليس هناك رحيلًا أصعب من ذلك الرحيل الذي ليس بعده عودة، وقدر الموت حتما نؤمن به؛ فكلنا راحلون يوما ما، ولكن من رحل وترك الأثر الطيب في قلوب النَّاس فهذا عزاؤنا فيهم، وتبقى ذكراهم خالدة في قلوبنا، وبصمات أعمالهم الصالحة باقية تحكي مآثرهم.

لقد أحزنني رحيل تلك الشيخة الكريمة، أو "شيخة النساء" كما يحب كثير من الناس أن يلقبوها، حكيمة بنت سالم بن حربي جداد، الشيخة الوقورة الحكيمة الصبورة.

في ظهيرة الثلاثاء الموافق 23 مايو 2023، رحلت أم العطايا الكريمة ورمز الإيثار والسخاء بلا حدود في ثمريت وظفار، تاركةً وراءها قلوبا باكية، وعيونا ترقب الفقد الأليم.

من يشبه الشيخة الكريمة.. حكيمة بنت سالم حربي جداد؟

وهنا أستحضر مرثية المتنبي لأم سيف الدولة حين قال:

ولو كان النساء كمن فقدنا // لفضلت النساء على الرجال

وما التأنيث لاسم الشمس عيب // ولا التذكير فخر للهلال

فليس من الغريب في شيء أن يرثي العرب النساء الماجدات، ذوات العطاء والسخاء وكرم الأخلاق والتقوى، فقد كانت الوالدة حكيمة جداد كريمة إلى الحد الذي لا يوصف، تغلبها نزعة الإيثار غلبا لا تكاد تُبقي لنفسها مع تلك الخصلة شيء، وهبت جُلَّ ما تملك طوعا وضيافة للناس ممن تعرفهم عن قرب وممن لم تعرف، بيتها الواقع في ولاية ثمريت لا يُغلقُ أبدا، تستقبل ضيوفها القاصي منهم والداني برحابة صدر بالغة لا متناهية.

فكم أريقت الذبائح عند عتبة بيتها لأغلب زائريها وضيوفها ومحبيها وما أكثرهم، ولعابري السبيل من المسافرين المارين من وإلى مسقط وصلالة من كرمها وضيافتها أوفر الحظ والنصيب.

ضيوف أمي حكيمة كُثُر: السالمون من بعد مرض، العائدون من بعد غياب، والكثير ممن أحبتهم هي وأحبوها هم؛ كرمها لا توقفه الظروف، ولا تمنعه الحجج والأحوال، رحمها الله وأحسن إليها وأكرم وفادتها إليه في جنة النعيم.

من يشبه أمي حكيمة؟

شيخة النساء وقدوتهن، ورائدة البذل والعطاء النسائي في ظفار، الطائية الكرم الذي لا يُضاهى، فقدها لم يكن بالسهل ولا بالهين، كان وقع رحيلها صادما ومؤلما، ولولا اليقين بحتمية الموت لما استطاعت قلوبنا وقلوب أحبتها وذويها ومن يعرفها أن تتجلد بالصبر والثبات.

كيف لي أن أصف كرمها؟

كانت- رحمها الله- على استعداد دائم لإكرام زوارها بالهدايا والعطايا؛ حيث اعتادت أن تحتفظ في درج دولابها بثياب (بوذيل) من كافة النقوش والألوان والأصناف، جديدة ومخاطة وموضوعة في أكياسها بعناية، إلى جانب علب مختلفة الأحجام والأنواع من البخور الظفاري، وعطور متعددة الأصناف؛ تحتفظ بتلك الأغراض المشتراة بقصد أن تهديها لزائراتها النساء ممن تعرف بمقدمهن المخطط له أو ممن يأتينها في زيارات مُفاجئة غير مدبرة، والمعروف أنها- رحمها الله- تجدد تلك الهدايا بشكل دوري ومستمر كلما نقصت زادت منها احتياطيا في دولابها؛ كما تفعل الكثيرات من نساء ظفار الكريمات.

ومن أكثر قصص كرمها تأثيرًا قصة منحة الديوان التي حظيت بها؛ إذ استلمت أم محمد- رحمها الله- مبلغَ معونةٍ وقدره 2000 ريال، فأخذت توزع المعونة المُرسلة لها على أهلها وقرابتها ومن تصادفه من الصغير والكبير حتى لم يتبق معها إلا 200 ريال فقط.

قصصها في الكرم والإيثار لا تُحصى ولا تُعد، ومآثرها في تقديم الآخر على الذات كثيرة جدًا.

أمي حكيمة الطيبة القلب، المُرددة أدعية الحفظ والتوفيق لكل من حولها ليس من السهل أن تُنسَى- رحمها الله- وأحسن إليها، وأكرم نزلها، وجعل وفادتها إليه وفادة الصالحين الطيبين.

تعليق عبر الفيس بوك