"فكّر بالنتيجة"!

 

د. سالم بن عبدالله العامري

فكر بالنتيجة هو شعار الحملة المُجتمعية للحد من انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية بولاية رخيوت، هذه الحملة المجتمعية التي بدأت في الخامس من يوليو الماضي، والتي دعت اللجنة الصحية بالولاية كافة المواطنين للانضمام والتفاعل الإيجابي معها بالحضور والمشاركة في الفعاليات والمناشط المختلفة من أجل نشر ثقافة وعي مجتمعي مستدام  بمخاطر المخدرات بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والأهلية بالولاية، والمنافسة على مستوى السلطنة في هذه المسابقة لتحقيق مراكز مُتقدمة تليق بسمعة هذه الولاية العريقة وتاريخها الحافل بالإنجازات في كافة المجالات.

وتعد المخدرات من الآفات الاجتماعية المنتشرة بشكل متزايد خصوصا في السنوات الأخيرة في مختلف محافظات السلطنة، وهي عبارة عن مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتغيب العقل عن الوعي، وتسبب أيضاً تسمماً للجهاز العصبي، وهي من الممنوعات التي حرمها الإسلام لما فيها من أضرار جسيمة على صحة الفرد الجسمية والنفسية، كما يعد تداول وتعاطي هذه المواد جرماً يُعاقب عليه القانون، وهي أنواع كثيرة وأشكال متعددة مثل: الحشيش والهيروين والقات والأفيون والكوكايين والشبو والحبوب المُهَلوِسة بأنواعها المختلفة، وغيرها من المواد المخدرة والضارة التي تم تصنيفها من قبل المنظمات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات والجرائم الدولية.

وظاهرة تعاطي المخدرات لم تعد تقتصر على شريحة مُعينة من المجتمع أو على مستوى ثقافي أو اجتماعي أواقتصادي محدود، بل تفاقمت حتى أصبحت مشكلة تُعاني منها كل شرائح المجتمع بمختلف مستوياتها، وذلك من خلال مجموعة من الخلايا والشبكات التي تقوم بتزويد المدمنين والمتعاطين لها، لأجل إيقاعهم في براثن هذه الآفة القاتلة. وتتغلغل قوة هذه العصابات المجرمة بين فئة الشباب  بهدف تعطيل هذه الطاقات الوطنية وتدمير صحتهم الجسدية والنفسية، وتفكيك المجتمع من الداخل والقضاء على القيم الدينية والأخلاقية؛ وبالتالي ضياع مستقبلهم ومستقبل أوطانهم.

وفي السياق نفسه، لم تعد تقتصر أضرار المخدرات النفسية، والجسدية، والاجتماعية على الفرد بل امتدت لتشمل الأسرة والمجتمع بأسره، مما يعني خطر شيوع الفساد الأخلاقي والعنف، والجريمة، وتشمل هذه الأضرار: القلق، والأرق، والاكتئاب، والانتحار، وضعف القدرة على التعلم، وضمور المخ، والفشل الكلوي، وتليف الكبد، والضعف الجنسي، وضغط الدم، والعزلة أو الشعور بالوحدة، وانخفاض التحصيل الدراسي، وفقدان الوظيفة، وتوتر العلاقات الاجتماعية، والإهمال، وسوء المعاملة، والعنف المنزلي، والتفكك الأسري، والإفلاس، والفقر، ووقوع الحوادث والاصابات، والسرقة، والتعدي على ممتلكات وحقوق الآخرين، وزيادة البطالة، والتشرد، وانتشار الفساد في المجتمع.

لعل أهم الأسباب التي تتسبب في وقوع الشباب في الإدمان على المخدرات والتي  كشف عنها المختصون في دراسة هذه الظاهرة: إهمال الوالدين لمتابعة الأبناء، ورفقاء السوء، وغياب التوعية المجتمعية في مختلف مؤسسات المجتمع التربوية والدينية والإعلامية، وضعف الوازع الديني، والانفتاح على الخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وغيرها من الأسباب.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة أو بالأحرى إحصائية حديثة حتى الآن عن عدد المتعاطين أو المدمنين، إلّا أن أعدادهم في تزايد مستمر بلا شك جراء انتشار تلك العصابات التي تقوم بالترويج والتوزيع لهذه الآفة في الداخل من خلال بعض الخلايا والشبكات الدولية والمحلية، ولعل ما كشفت عنه إدارة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية مؤخراً عن استقرار أعداد المتعاطين عند المستوى نفسه حسب ما  أكدته الإحصاءات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للأعوام الأخيرة، يُعزى ذلك إلى الإجراءات الرقابية والعلاجية وتضافر جهود مختلف الجهات المعنية وتنفيذ عدد من البرامج الهادفة حيال ذاك.

وفي إطار اهتمام القيادة العُمانية بحماية المجتمع من آفة المخدرات فقد تم تأسيس العديد من الأجهزة ولجان العمل على أعلى المستويات والكفاءات الوطنية، وكذلك إعداد وتنفيذ العديد من البرامج والخطط الوطنية أبرزها اعتماد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الإستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والتي تمتد من 2023 إلى 2028؛  وتتضمن هذه الاستراتيجية برامج استراتيجية وإجرائية لتطويق هذه الآفة الخطيرة والقضاء عليها بكل الأساليب والطرق العلمية الحديثة، وتأتي الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشرطة عُمان السلطانية في مقدمة هذه المؤسسات الوطنية الرائدة المنوط بها حماية المجتمع من خطر آفة المخدرات، كما تم تشكيل لجنة وطنية عُمانية لمُكافحة المخدرات برئاسة وزير الصحة وعضوية العديد من  المختصين بعلاج المخدرات ومكافحة المخدرات، إلى جانب العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية.

بناءً على ما سبق، فقد أدركت الحملة المجتمعية للجنة الصحية بولاية رخيوت حجم وخطر هذه المشكلة، ورأت أنه قد آن الأوان أن تدق نواقيس الخطر للحذر من تعاطي وتداول آفة المخدرات، في جميع المؤسسات الرسمية والأهلية وأن يتعاون جميع أطياف المجتمع مع الجهات المعنية بمكافحة انتشار المخدرات في السلطنة، على اعتبار أن المكافحة الأمنية لا تكفي وحدها دون تضافر الأسرة والمجتمع، بحيث تبدأ المكافحة أولًا من الأسرة  من خلال مراقبة الآباء لأبنائهم وذويهم، ثم التوعية المستمرة لأفراد المجتمع من خلال تكثيف مثل هذه الحملات المجتمعية التي استهلتها اللجنة الصحية بولاية رخيوت باستخدام الأساليب العلمية من خلال نشر استبانة لدراسة حجم مدى وعي المجتمع بالمخدرات وأضرارها، تلتها إجراءات عملية وعروض مرئية وتوظيف التقنيات الحديثة من خلال فتح حسابات في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ولوحات إرشادية وتوعوية، وعمل مناشط وفعاليات متنوعة  لا زالت مُستمرة بغية الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الشريحة المستهدفة من كل أطياف المجتمع انطلاقًا من واجبها الإنساني لخدمة المجتمع، والعمل جنبًا إلى جنب مع الجهات المختصة بمكافحة انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية في السلطنة من أجل تطويق هذه الآفة ومحاصرتها، وتوحيد الجهود لمنع ومكافحة المخدرات باعتبارها مسؤولية مشتركة لإيجاد مجتمع خال من المخدرات.

من هنا يتوجب علينا جميعًا تحذير النشء لحمايتهم من الاستغلال أو الابتزاز من أشخاص مجهولين يغررون بهم للوقوع في براثن التعاطي، كما يجب تحذيرالجميع كذلك من المواد التبغية غير المدخنة وعقاقير بناء الأجسام والأقراص التي يتم الترويج لها للتخسيس أو زيادة الوزن وغيرها من الاستخدامات لما تشكله من خطورة على صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، نظراً لأن هذه المواد في أغلب الأحيان لا تخضع للرقابة الدوائية وقد تؤدي إلى الإدمان. حفظ الله عُمان قيادةً وشعبًا وحكومةً من كل سوء ومكروه.

تعليق عبر الفيس بوك