من هو البحار "تشنغ خه"؟

 

محمد رامس الرواس

 

"في سبيل إقامة العلاقات الودية بين الصين وهذه الدول، لا نعبأ حتى بالموت" من أقوال تشنغ خه.

توقفت طويلاً أمام العديد من المحطات الممتعة وأنا أقرأ في سيرة البحار الصيني تشنغ خه عند تصفحي كتاب "إمبرطور البحار الصيني" للدكتور علي الهاجري وما ذلك إلّا لِعِظَمِ إنجازات هذا الأدميرال البحري ومآثره؛ حيث يُعد تشنغ خه شخصية فريدة في عالم القادة والمستكشفين ممن كان لهم السبق في تدوين التاريخ والجغرافيا البحرية بجانب نبوغه في عالم العلاقات الدولية والسياسة.

وُلد تشنغ خه (حجّي محمود شمس الدين) عام 1371-1435م لأسرة مسلمة بمقاطعة "يوان" المغولية جنوب الصين والتي كانت عريقة النسب تعود جذورها الى "سيد أجل شمس الدين" حاكم مقاطعة "يونان"، ولقد جاءت شهرته كونه أدميرالًا بحريًا فذًّا، بعد أن ترعرع في بلاط الأمير "تشو دي" من أسرة مينغ أمير منطقة يان، وحصل بعدها على فرصة للتعليم ببكين، ثم أسندت له وظيفة كبير المبعوثين، وبعدها قاد الأسطول الصيني لفترة طويلة من الزمن وله رحلات بحرية تاريخية دونها التاريخ تحت مسمى "رحلات الكنوز" وعددها سبع رحلات استكشافية. ولقد كان تشنغ خه يقود واحدًا من أعظم الأساطيل البحرية الصينية في عهد أسرة "مينغ"، ولقد توج من خلال ما قام به من أعمال جليلة بالعديد من النياشين والرتب من أباطرة الصين؛ كونه من أَعْلام التاريخ البحري عندهم، ولِما حققه من اكتشافات طاف خلالها سواحل المحيط الهندي والبحر الأحمر وجنوب آسيا والبلدان الواقعة على السواحل الأفريقية لقارة أفريقيا في الفترة من الثلث الأول من القرن الخامس عشر الميلادي وامتدت على مدار ثمانية وعشرين عامًا.

لقد كانت رحلات البحار الصيني تشنغ خه للمنطقة العربية ومنها زيارته لجنوب عُمان (ظفار) موثقة بدلائل وبراهين ومستندات؛ حيث كان يقيم العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية حيثما حل، ولقد ورد في مجلدات رحلاته بين 1430- 1433م بمجلد رقم 326 لكتاب تاريخ أسرة "مينغ" ما يلي: "وصلنا ظفار بعد أن قضينا في البحر عشرة أيام بعد انطلاقنا من زنجبار"، وكان من عادته تدوين رحلاته بنفسه، وتقديمه التحية لحكام البلدان التي يزورها ومعها هدايا لهم؛ حيث عُرف عنه نشره للسلام والتقارب بين الشعوب بجانب التجارة فهو يعمل بكل حُسن أخلاق ومودة ولا يستخدم القوة إلّا عند الضرورة رغم امتلاكه أسطولًا بحريًا عظيمًا.

لقد كانت رحلات الأدميرال الصيني تشنغ خه ذات قيمة تاريخية كبيرة أوجدت آثارًا حسنة، خلدها الزمن، وهي جديرة بالدراسة، وما صدر منها من معلومات تعكس العلاقات الصينية بدول حوض المحيط الهندي وبالتحديد دول الساحل العربية ومنها ظفار، وعدن، وزنجبار، وجدة وغيرها من البُلدان. لقد رسخ تشنغ خه علاقات تجارية وإنسانية راسخة دونها التاريخ ودعمتها الأسر الصينية العريقة في حينها وبين موانئ ظفار التي لقبت بشاطئ البخور، أو شاطىء العطور حيث اشتهرت بتصدير سلعة اللبان الظفاري الشهير والبخور للصين، ولقد وصلت هذه العلاقة أوجها في فترة أسرة "تانغ" ثم أسرة "سونغ" حيث كان استهلاك هذه الأسر للبخور والتجارة البينية تُعد بكميات تجارية كبيرة حتى أطلق على الطريق البحري بين جنوب عُمان وجنوب الصين "طريق البخور" الذي كان يمر عبر الهند إلى شرق آسيا.

كان الاحتفال بإقامة النصب التذكاري للأدميرال الصيني تشنغ خه في ولاية صلالة بتاريخ 30 مايو الماضي، بتنظيم من السفارة الصينية، بمثابة تشييد لمعلم تاريخي ذي دلالة لعمق التواصل بين الصين وعُمان؛ حيث تم تجسيده برمزية رائعة على شكل أمواج البحر وقوس السفينة.

وختامًا.. لقد سبق إقامة النصب التذكاري بصلالة للبحار تشنغ خه قيام سلطنة عُمان بإقامة نصب تذكاري للسفينة صحار في مدينة جوانزو الصينية عام 2018، التي يوكد المؤرخون أنها أبحرت من عُمان قبل 1200 سنة نحو الصين، مسجلةً واحدة من أهم الرحلات البحرية التاريخية بين البلدين الصديقين، لذا كانت وما زالت العلاقات بين البلدين علاقات توصل حضاري لما حوته من تبادل ثقافي وتاريخي وإنساني واقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك