هل تعاود الحرب رحاها في اليمن؟!

 

وافي الجرادي **

algradiwafi@gmail.com

 

المُتابِع لأطراف الصراع والحرب في اليمن من حكومة شرعية وجماعة أنصار الله يجد العروض العسكرية والتحشيد للجبهات يُقابله خطاب إعلامي بلغة التهديد والوعيد بالحرب، غير أن عودة العمليات العسكرية من الصعب توقعه، وإن تعثرت المفاوضات بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) مع المملكة العربية السعودية.

كما أسلفت لا يمكن توقع عودة الحرب في اليمن وتحديدًا بين جماعة أنصار الله والسعودية، لكون الأيام ثبتت دور القوى الدولية البارز في مسألة الحرب ووقفها، وأن ما جرى في اليمن من صراع وعلى مدى 8 سنوات، لم يكن بمحض إرادة واختيار القوى اليمنية فقط، وإنما للقوى الإقليمية والدولية دورها في عمليات التصعيد والتجميد أيضًا، وهنا يكمن دور القوى اليمنية في العمل ووفق محددات ورغبات راعييها الإقليميين والدوليين، وأنّ وقف الحرب والانخراط في السلام لا يمكن حدوثه بمعزلٍ عن توجهات وإرادات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن اليمني، وتحديدًا تلك التي لها أجندات ومصالح خاصة.

العروض العسكرية والتصعيد في الخطاب الإعلامي لأطراف الحرب في اليمن، لا يعكس حقيقة النوايا بالعودة لمسرح القتال والمواجهة، بقدر ما هو تعبير عن حالة فشل أو تعثر في المشهد السياسي، أو لغاية فرض تلبية مطالب ومكاسب. هنا يكمُن المدلول الفعلي لما يحدث بعيدًا عن القول إن الحرب قادمة، أو إن كل ما يجري يصب لغاية استئناف القتال، فليس بمقدور الأطراف في الداخل اليمني فعل شيء دون أوامر من الرعاة والحلفاء، وليس بوسعهم طي صفحة الحرب دونما عودة لما تقتضيه مصالح وأجندات القوى الخارجية المُمَولِة والراعية للصراع.

أتحدثُ عن استحالة العودة للحرب في اليمن إلى ما كانت عليه قبل إعلان الأمم المتحدة في أبريل الماضي للهدنة في اليمن، واستحالتي هذه بناءً على ما يلي:

- ترغب السعودية في وقف الحرب في اليمن والانخراط في تسوية شاملة من شأنها أن تُنهي العمليات العسكرية، وطي مهام ما يُسمى بـ"التحالف العربي" في اليمن، انطلاقًا من رؤى وتوجهات جديدة للقيادة هناك، والتفرُّغ أكثر لإنجاز الرؤية الاستراتيجية (رؤية المملكة 2030)، والتعامل مع الإقليم وربما العالم وفق تحوّلات ومحددات جديدة، وهو ما لمسناه في عودة علاقاتها مع إيران، وتوسيع نطاق علاقاتها مع روسيا والصين.

لهذا فإن السعودية وبحكم قيادتها للتحالف العسكري في اليمن، فإنَّ لرغباتها وتوجهاتها دورًا في وقف الحرب أو إشعالها والأخير لم يعد ضمن حسابات جاره اليمن الشمالي، وباتت اليوم عازمة على الوصول إلى حلول وتسوية شاملة يضع حدًا لحرب تستنزف قدرات الجميع.

- نتيجةً للتقارب السعودي الإيراني، والذي توّج بإعلان استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في 10 مارس الماضي وبرعاية صينية، فإن لهذا التقارب صداه فيما يخص اليمن لكون الرياض وطهران الطرفين الأكثر انخراطًا في الصراع في اليمن. وبعودة العلاقات بينهما وبالتفاهم بين الجانبين يتشكل عامل مساهم وقوي في العمل على إيجاد سلام دائم ومستقر في اليمن.. الرياض لم تعد إلى طهران من أجل ترميم خلافاتهما البيّنية، بقدر ما هي عودة لترميم الخلافات في المنطقة والعمل على احتوائها، ولكون طهران أيضًا مستفيدة- كما هو الحال بالنسبة للرياض- من عودة علاقاتها مع الرياض في التغلب على الصعاب والمخاطر المحدِّقة بها، والدفع باقتصادها وشعبها صوب الازدهار والتنمية؛ فهي وبكل تأكيد تدفع جماعة أنصار الله (الحوثيين) لعدم الإقدام على عمل عسكري يمس السعودية ويُهدد أمنها القومي، رغبةً في استمرارية التقارب والاستفادة قدر الإمكان من نتائجه المرجوّة، فقد أعقب عودة علاقاتها بالرياض، تسريع عودة علاقات دول خليجية وعربية معها، وهو ما يُشكّل تحولا مهما وإيجابيا بالنسبة لطهران ولديها اهتمام ورغبات متزايدة في توسيع نطاق علاقاتها بالدول الخليجية والعربية.

لهذا فهي حريصة كل الحرص على استمرارية الهدنة في اليمن، والاستفادة من التصالح مع الرياض وباقي الدول الخليجية.

ونتيجةً للحرب الروسية الأوكرانية والتي نجم عنها أزمة طاقة عالمية وتضرر الدول الغربية منها كثيرا، وتراجع مستويات اقتصاداتها وتزايد غضب الشارع هناك من ارتفاع الوقود وزيادة التضخم، كل هذا ترك أثره في إسهام هذه الدول في استمرار هدنة اليمن، من خلال حثها المتواصل ودعواتها لكل أطراف الحرب للالتزام بالهدنة؛ حيث إن العودة للحرب وللقصف الجوي قد تتسبب في استهداف إمدادات الطاقة في السعودية وهو ما قد يُضاعف من أزمة الطاقة وزيادة الأسعار، وبالتالي مضاعفة خسائرهم.

لهذا تُسخّر كل جهودها لدعم الهدن المُعلنة في اليمن، والحيلولة دون عودة الصراع والتي إن عادت فليس في صالح الإقليم ودول العالم، لما قد تُشكّله من مخاطر على إمدادات الطاقة، وربما على حركة التجارة العالمية في مضيق باب المندب.

** كاتب يمني

تعليق عبر الفيس بوك