أنين الأمهات.. حسرة وألم!

 

 

خالصة بنت صالح البوسعيدية

(1)

فرحت لزيارة ابني كثيرًا لطالما اشتقت إليه، فقد مرَّت عليه فترة طويلة لم يزرني لانشغاله بالعمل، وبعد السلام والتحية تلقى اتصالًا من شخص يبدو أنَّه عزيز وصديق قديم ليبدأ معه حديثاً طويلاً عن الذكريات القديمة لمدة تقارب الأربعين دقيقة، استمتعتُ فيها بملامح وجهه وحركاته وابتسامته وهو يتحدث ليستأذن بعدها بخمس دقائق لم تكفِ لإطفاء شوقي بالجلوس والحديث معه ولم أعرف أخباره!

 

(2)

اتصل بي ابني ليخبرني أنه سيزورني، فرحت كثيرا ذهبت إلى المتجر لشراء الاحتياجات اللازمة لإعداد وجبة الغداء التي يُحبها، سنتناول الغداء معًا، وسنتجاذب الحديث الذي لطالما اشتقت إلى جلسته. وصل، تناولنا القهوة معاً، ذهبت سريعاً إلى المطبخ لأجهز الغداء، تبعني وضحك قائلا لن أتغدى بالمنزل معك، فقد اتفقت مع زملائي لنخرج في رحلة خلوية للغداء!

 

(3)

رغم أنَّ منزله يبعد عن منزلي بضعة كيلومترات، لا أستمتع بزيارته لي ولا أرتاح عند الجلوس معه، فهو دائمًا منشغل بهاتفه، لا يحرك رأسه إلى الأعلى، وبالكاد يرد عليَّ بكلمة واحدة بعد حديثي المطول وسرد أخباري، فتخرج منه الكلمات التي ليست في مكانها الصحيح، وهو ممسك بهاتفه يختلس النظر إليَّ كمن يسرق، فتخفت نبرت صوتي واضطر للسكوت فيستأذن!

 

(4)

حضر ابني لزيارتي وجلس معي لمدة ساعتين لم أستمتع بجلسته ولا بحديثه، فقد كان منشغلاً بمتابعة برنامج يُعرض على التلفاز، وطوال الجلسة أحضر له القهوة وبعض الأكلات يأكل وعينيه على التلفاز، انتهى البرنامج أستأذن وانتهت زيارته!

 

(5)

بعد وصول ابني من السفر الخاص بمهمة عمل أتى ليسلم عليَّ، وبعد دقائق جاء ابني الأصغر تبادلا الحديث عن أمور لا أفهمها، ومواضيع لا أعرفها ولا أهتم بها ولا أستطيع أن أشاركهم جانباً منها، جلست بجوارهما فترة طويلة وهما مستمتعان بالحديث، أنظر إليهما وأتابع حوارهما وضحكاتهما وتعليقاتهما في صمت، شعرت بالملل ثم استأذن الاثنان وخرجا!

 

(6)

دفعني اشتياقي الكبير لابني لزيارته؛ ففي العادة لا أزورهم إلا لسبب، فأغلب الأحيان هم من يأتي لزيارتي بين الفترة والأخرى، ولكن غيابه الطويل دفعني لزيارته، استقبلني ورحب بي، رأيته على غير عادته، اندهشت وسألت: ماذا؟ وما السبب؟ ولم يرد، دخلتْ علينا زوجته وسلمت عليَّ سريعًا قائلة "أنتظرك بالسيارة"، خرجتْ مُتعذرة بزيارة أحد الجيران ليذهبا معا وابتساماتهما تملأ وجهيهما.

كثيرة هي المواقف التي تستوجب محاسبة النفس وترويضها وكبح جماحها وتقويم السلوك ومراجعته مراجعة دقيقة والعمل وفق ما يرضي الله ورسوله. قال تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".

وقال سيد الخلق أجمعين عليه أفضل الصلاة والسلام: "من أدرك والديه أو أحدهما، ثم لم يبرهما فدخل النار فأبعده الله".

تعليق عبر الفيس بوك