لنعمل بما ينفع ونقول بما يتبع

 

 

د.قاسم بن محمد الصالحي

لستُ مُكرراً، ولا من مُحبي الأساليب المكررة، فهي تكون إما تكرارًا لكلمة بعينها، أو لمعنى، أو لعبارة، أو لفكرة، أو لموضوع.. في نظري التكرار قد يكون عيبًا في الفكرة التي نكررها خصوصاً إذا كانت عاريةً عن الفائدة، ويصبح تكرارها مبالغة في إيضاح معناها الواحد في صور مختلفة.

لقد فكرتُ كثيراً؛ كتبتُ ومحوت، لكنني وأنا أخط هذه الكلمات، كنت أجد نفسي أمام جدال يسبق التطبيق، والكتابة فيه تكون وسط عواصف من الخلاف والاختلاف في كل شاردة وواردة لم تحدث واقعاً بعد، وصفها البعض قبل تطبيقها بالمعاناة والآخر بالألم، وصارت العبارات فيها ملأى بالحشو، كأن الكلمات تملأ الفراغ بالفراغ، وكي لا أسقط في كلامي المتلعثم والمتردد، قررت أن أستمع إلى تلك الحكايات التي يصنع منها الناس هذه اللحظة، يتهيأ فيها مجتمعنا لرسم عنوان جديد لنهضته، وفي هذه التهيئة التي يجب أن نصغي إليها ونتعلم منها، أرى محيطنا ومحيط محيطنا والمحيطات التي بعدهما، تبحث عن وجوهها الضائعة وسط خرائب المدن والقرى، والتلوث البيئي، ولهيب التغير المناخي، ونيران غلاء المعيشة، والتفكك الأسري والمجتمعي.

لذلك؛ قررتُ قبل أن أكتب، أن أستمع، وما سأكتبه هو إعادة صوغ لما سمعته وقرأته، علّني وأنا أروي لكم بعضا مما سمعته، أستطيع أن أقترح بعض العلامات التي تساعدني على الخروج من دائرة كلامي المتكرر، كي أقف على عتبة لغة جديدة نبحث عنها، نجدها ولا نضيّعها، نرممها وتتكرر على أذهننا وفي أفواهنا، ولا ننكسر معها.

الحكاية يعرفها الجميع، وهي قصة تغييرات تشريعية تحوّلت مضامين نصوصها إلى محتوى متكرر، بتوقيع مشاهير التواصل الاجتماعي، كما صارت حكاية رواها آخرون في مقابلات إذاعية، وتمت مشاهدتها في مواقع شتى. الحكاية تشير إلى أنها تعبير إنساني عميق عمَّا يتطلع إليه المشرع في تغطية "منفعة اجتماعية" توفر عيشاً كريماً للفرد والأسرة، دارت هذه الحكاية في الطيف المجتمعي كله انطلاقاً من "أنت مثقف"، "يعني بتعرف تنتقد"، وقد أقام البعض علاقة تعاطف مع ما توصل اليه المشرع، وقام الآخر ولم يقعد واصفاً ما جاء بالمعناة والألم، وصار يكرر الموضوع بين حين وآخر، بل ترك لنفسه مساحة واسعة للنقد في أشكاله المختلفة، ولم يعر اهتمام للقاعدة القائلة: "إن اول العلم الصمت والثاني حسن الاستماع والثالث حفظه والرابع العمل به والخامس نشره"، جميعنا مدرك أنَّ القضايا الاجتماعية تؤثر على الشريحة الأكبر داخل المجتمع، وتكون نتيجة توسع الجدل في أي قضية اجتماعية سبباً في صراع الآراء واختلاف الأفراد، وهذا يلعب دوراً كبيراً في اختلاف المدارك أو التصورات، ويوسع في الوقت نفسه من استخدام العديد من الطرق فتزداد دائرة الجدل اتساعاً، إذا أسقطنا كل ما سبق على حكايتنا التي نرويها سنجد أنه ليس بالضرورة أن يكون النقاش فيها سابقاً للتطبيق العملي -النص التشريعي- المراد به معالجة القضية الاجتماعية؛ لأن النص قد أُشبِع نقاشات ومقارنات، وطرح وفق تراتيبيبة دستورية صحيحة.

تعليق عبر الفيس بوك