منظومة الحماية الاجتماعية من منظور المواطن

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي *

مرَّت منظومة الحماية الاجتماعية بمراحل عديدة، ومخاص عسير، بداية من مجلس الوزراء مرورا بمجلس الشورى ثم مجلس الدولة والأخير يُعتبر حارس البوابة الأمين للمحافظة على أموال خزينة الدولة العامة من المجتمع الذي يجنح -من وجهة نظر ما يعرف بـ"الحرس القديم" في مجلس عُمان- إلى التبذير واستنزاف الأموال العامة؛ فالمواطن يسعى للحصول على مزيد من الحقوق  مقابل الواجبات المنوطة به في خدمة الوطن والسلطان، وبالطبع لسان حال المواطن هم أعضاء مجلس الشورى الذين أضافوا وعدلوا في مشروع القانون المحال من الحكومة، ولكن هناك من وقف بالمرصاد لمنع تمرير بعض المزايا والمواد القانونية المقترحة لتحسين منظومة الحماية الاجتماعية لكي تُصبح مقبولة من الرأي العام العماني، الذي كان يراقب المشهد من بعيد. وفي نهاية المطاف، صدرت المراسيم السلطانية الخاصة بمنظومة الحماية الاجتماعية، حاملة بشائر الخير لكل مواطن على هذه الأرض الطيبة، وأهم ما في المنظومة من المزايا ما تم تخصيصه للمواطنين الذين يعانون من ضيق الحال والفقر والإعاقة والشيخوخة؛ إذ تضمن تخصيص 400 مليون ريال عماني إضافة للمبلغ المعتمد قبل والمتعلق بما تخصصه الدولة للضمان الاجتماعي وهو 115 مليون ريال سنوي، فقد أصبح المبلغ المخصص للمنافع الخمسة الخاصة بالفئات الضعيفة، أكثر من نصف مليار ريال عماني سنويًا وهذا ليس مقتطعًا من مساهمة الموظفين، أو من أصول صناديق التقاعد كما يزعم البعض.

ولعل أهم هذه المنافع الخمسة الجديدة الرواتب الشهرية التي خُصِّصت لذوي الإعاقة وكبار السن والأطفال واليتامى وأسر الدخل المحدود بشكل عام، فهذه خطوة متقدمة وجديرة بالتقدير من الجميع في هذا الوطن العزيز، وإن كانت متأخرة، وذلك لكونها لا تخضع للبحث والاستقصاء من بعض الجهات الذين اعتادوا على إيجاد مخارج لحرمان المستحقين من الضمان وكذلك الاستحقاقات الخاصة بالأراضي والدعم الحكومي طوال العقود الماضية، فتلك المنافع الجديدة بالفعل لا تخضع لأي شروط أو بحث من الجهات التي تتولى الصرف.

ومن خلال متابعتي اليومية لوسوم المنصات الاجتماعية، ولمجموعة كبيرة من المواطنين الذين نقابلهم في الأماكن وكذلك الأصدقاء، وعلى وجه الخصوص من يحرصون على التشكيك في كل ما يأتي من المسؤولين وصناع القرار، ويتحدثون بصوت مرتفع عن منظومة الحماية الجديدة من منظور سلبي خاصة للمتقاعدين في المرحلة المقبلة، يعود ذلك إلى تغيُّر إستراتيجية التقاعد الجديدة في السلطنة مائة وثمانين درجة عن سياسة الحكومة السابقة في مدة سنوات الخدمة ومزايا الراتب التقاعدي الذي يتطلب أن يعمل الموظف لسنوات طويلة وتنتهي بسن التقاعد ستين سنة بالنسبة للذكور وخمس وخمسين سنة بالنسبة للعنصر النسائي. فالحكومة شجعت طوال العقود الماضية على التقاعد المُبكر منذ تسعينيات القرن الفائت، ثم أجبرت من أكمل ثلاثين سنة في الخدمة على التقاعد الإجبارى قبل عدة سنوات، في خطوة غير مسبوقة في منطقة الخليج بدون تخصيص مزايا لهؤلاء لا في رواتب التقاعد أو مكافآت ما بعد الخدمة، بزعم أن خزينة الدولة لا تتحمل صرف رواتب الموظفين وبالتالي يجب إحالتهم للتقاعد.

أما اليوم، فقد أصبح التوجه الجديد للحكومة من خلال قوانينها الصادرة هو المحافظة على الموظف على رأس العمل لمدة طويلة، على الرغم من ذلك يستطيع عدد قليل من الموظفين الوصول إلى أهم ميزة في نظام التقاعد الجديد وهي الاحتفاظ بالراتب كاملًا دون أي خصم لمن أكمل ستين سنة في الخدمة وحقق السنوات المطلوبة لذلك الشرط الصعب؛ فالعمر المثالي للالتحاق بالوظيفة يفترض أن يكون في العشرينات من العمر للموظف الجديد، وهذا غير وارد بسبب السياسة المتبعة في التوظيف والتي تجبر الباحث عن عمل أن ينتظر سنوات طويلة قد تتجاوز العشر سنوات ثم الاستمرار حتى سن التقاعد المعتمد من الصندوق. يبدو لي أن هناك تخوفًا من نفاد أصول وأموال صندوق الحماية الاجتماعية الذي ورث صناديق فيها عجز كبير وعلى وجه الخصوص صندوق الخدمة المدنية وبعض الصناديق الأخرى. فتجربة اليونان التي أفلست صناديقها التقاعدية ما زالت في أذهان الكثير من الاقتصاديين في العالم. من هنا، تحاول الحكومة حل مشكلة الصناديق بزيادة المساهمة من الموظفين باقتطاع 8% من إجمالي الراتب وكل العلاوات المتضمنة في راتب الموظف، كما هو معمول به في صندوق التأمينات الاجتماعية في الوقت الحالي، وكذلك عدم التشجيع على التقاعد المبكر بل يتعرض المتقاعد لخصم كبير من الراتب التقاعدي في حالة أصر العامل على التقاعد قبل المدة المحددة في القانون.

لقد ألغى القانون الجديد الذي سوف يطبق بعون الله في مطلع 2024، كل أنظمة وقوانين التقاعد المعمول بها في السلطنة من قبل، وحدَّد سقف الرواتب التقاعدية المدعومة من الحكومة بـ3000 ريال عُماني فقط؛ فالسؤال المطروح: هل الوزراء والوكلاء والقادة العسكريون الذين برتبة لواء وفريق سوف يطبق عليهم القانون الجديد عند إحالتهم للتقاعد، أم سيحتفظون بالمزايا المعمول بها حاليًا؟ هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمة.

 وفي الختام، هناك مطالبات مستمرة طوال العقود الماضية بتوحيد مكافآت ما بعد الخدمة، وكلنا نتذكر وعود الحكومة في العقد الماضي بالعمل على رفع مكافآت التقاعد لموظفي الخدمة المدنية أسوة بمكافآت العاملين في الديوان وشؤون البلاط. وعليه، حان الوقت لتوحيد تلك المزايا التقاعدية لجميع الموظفين الذين هم تحت مظلة صندوق الحماية الاجتماعية، وذلك لتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد.

 

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري