وصايا الآباء إلى الأبناء

 

حمد الحضرمي

إنَّ الوصايا من الأنبياء والرسل والصالحين إلى النَّاس، ومن الآباء إلى الأبناء كثيرة لا تحصى ولا تعد، وهي وصايا خالدة فيها نصح وتوجيه وحكمة وعبر وخلاصة تجارب لأصحاب الرأي والبصيرة من أهل العلم والحكمة والفضل، وأجمل وأفضل الوصايا ما وصى بها سيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنها وصايا تحمل في طياتها الأدب والتربية والنصح والموعظة والرحمة ومكارم الأخلاق، وفي أحد الأيام صلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالصحابة، ثم أقبل عليهم فوعظهم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأنَّ هذه موعظة مودّع، فماذا تعهدُ إلينا؟ فقال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنِّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجز، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".

ومن هذا الحديث، نلاحظ بأن الوصية تعني الإرشاد والنصح والتوجيه، والوصايا في الأدب تعني فناً من النظام أو النثر فيه تجارب وآراء يخص بها الموصي ابنه، أو عامة الناس ولها تأثير كبير في وجدان السامعين. ومرحلة الطفولة ثم الشباب من أهم مراحل حياة الإنسان، فالابن الناشىء بحاجة إلى توجيه ورعاية ليتبع الطريق المستقيم في حياته، وتأتي الوصايا بكلماتها الدافئة النافعة لتنير الطريق للأبناء، ليكونوا في حياتهم سعداء، لأنها وصايا صادقة صادرة من الآباء أصحاب القلوب الصافية والمشاعر الحانية، وهي خلاصة تجاربهم لأبنائهم بكل بساطة ويسر. ونظراً لأن الأبناء هم زهرة الدنيا وأمل المستقبل، وهم أمانة في أعناق الآباء والأمهات، ومسؤولون عنهم، ويقدمون لهم الوصية والنصح والتوجيه، بحيث إذا كبروا وشبوا وغدوا رجال المستقبل، أدُوا رسالتهم كما ينبغي، فأصبحوا رجال يعتمد عليهم المجتمع والوطن.

ومن الوصايا الخالدة وصية لقمان الحكيم لابنه، والتي ذكرت في القرآن الكريم في سورة لقمان، ومن وصايا لقمان لابنه، عدم الشرك بالله، لأن الشرك بالله هو أكبر الكبائر، وتأدية الفروض والعبادات التي أمر الله بها خاصة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على البلاء والابتلاء، وعدم التكبر على الناس، والمشي بتواضع. ومن الوصايا الخالدة أيضاً وصية يعرب بن قحطان عندما جمع بنيه وأوصاهم وقال لهم: " يا بنيّ احفظوا مني خصالاً عشراً، تكن لكم ذكراً وذخراً: يا بنيّ تعلموا العلم واعملوا به. واتركوا الحسد عنكم ولا تلتفتوا إليه فإنه داعية إلى القطيعة فيما بينكم، وتجنبوا الشر وأهله، فإن الشر يجلب إليكم الأشرار، وأنصفوا الناس من أنفسكم لينصفوكم من أنفسهم، وإياكم والكبرياء، فإنها تبعد قلوب الناس عنكم، وعليكم بالتواضع فإنه يقربكم من الناس ويحببكم إليهم، واصفحوا عن المسيء، فإن الصفح عن المسيء يحسم العداوة، وإذا استشاركم أحد فأشيروا عليه بما تشيرون به على أنفسكم، فإنها أمانة ألقاها في أعناقكم والأمانة ما قد علمتم، وتمسكوا باصطناع الرجال، فإنه أجدر أن تسودوا به غيركم، وأحرى أن يزيدكم ذلك شرفاً وفخراً إلى آخر الدهر…

كما وصى الشاعر الفارس قيس بن عاصم المنقري أبناءه فقال لهم: خذوا عني ثلاث خصال: إياكم وكل عرف لئيم أن تلابسوه، فإنه مهما يسركم يومًا فسوف يسوءكم يومًا، واكظموا الغيظ، واحذروا بني أعداء آبائكم، فإنهم على منهاج آبائهم لآبائكم، وقال: أحيا الضغائن آباءٌ لنا هلكوا… فلن تبيد وللآباء أبناءُ. ثم جمع ثمانين سهماً فربطها بوترٍ، ثم قال لبنيه؟ اكسروها، فلم يستطيعوا، ثم قال: فرقوا، ففرقوا، فقال: اكسروها سهماً سهماً، فكسروها، فقال: هكذا أنتم في الاجتماع وفي الفرقة. أيها الأبناء إن الأفكار تجلب الهموم، وتضاعف الغموم، وإن ملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب، ولا يفسد خاطركم من جعل يذم الزمان وأهله، ويقول: ما بقى في الدنيا كريم ولا فاضل، ولا مكان نرتاح فيه، فإن الذين ترونهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون من صحبهم الحرمان، وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها، فاستراحوا إلى الوقوع في الناس، وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم.

أيها الأبناء لا تتذمروا وأطيعوا الله ورسوله ثم أطيعوا ولي الأمر، وبروا آبائكم تبركم أبنائكم، وقدموا الطاعة للوالدين، وتلبية أوامرهما، والتواضع لهما،ومعاملتهما برفق ولين، وتقديمهما في الكلام، والمشي احترامًا لهما واجلالًا لقدرهما، واستعمال أعذب الكلمات وأجملها عند الحديث معهما، وحافظوا على الصلاة في أوقاتها واقرأوا ما تيسر من القرآن في كل يوم، وصاحبوا الصالحين الأخيار، وتجنبوا الطالحين الأشرار، وكونوا مع أسركم مجتمعين غير متفرقين، حتى تكون بيوتكم قوية متماسكة ليست واهية كبيت العنكبوت، وتمسكوا أيها الأبناء بالإيمان بالله وبطاعته وطاعة الرسول، وتعلموا العلم النافع لأنه يرفع الإنسان وأهله، وتجملوا بمكارم الأخلاق، ودعوا المظاهر الزائفة عنكم، فالحياة قصيرة أيامها، وعليكم بحمد الله وشكره في الرخاء والضراء. وأسأل الله أن يحفظ لنا أبناءنا وبناتنا من كل سوء ومكروه وأن يرعاهم ويسدد على طريق الخير خطاهم.

تعليق عبر الفيس بوك