نحو مجالس محلية بالمحافظات ومجالس بلدية في الولايات (2)

 

 

د. راشد بن عبدالله الأبروي

alabrawi6060@gmail.com

 

اللامركزية المرفقية

هي الصورة الثانية من صور اللامركزية الادارية وتسمى أيضا اللامركزية المرفقية أو المصلحية؛ حيث يتم الاعتراف بالشخصية المعنوية لأحد المرافق العامة للدولة مثل مديرية عامة أو لجنة أو مجلس... إلخ فيُعطى صلاحيات معينة لإدارة شؤونه بحرية ويتبع الأساليب والإجراءات المتفق عليها، والتي تتفق مع طبيعة عمله لكي ترتفع فاعليته وكفاءته الإدارية (الحلو، 1999)، ولم تظهر صورة اللامركزية المرفقية. بالمقارنة مع صورتها الإقليمية، إلا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعلى ضوء اتساع نشاط الدولة وتغير دورها من دولة حارسة يقتصر دورها على حفظ الأمن والدفاع وإقامة العدل إلى دولة متداخلة تعمل على تحقيق الرفاهية لمواطنيها من خلال تدخلها في مختلف المجالات.

هذا التطور في الدولة كان معناه زيادة الأعباء الملقاة على السلطات العامة فيها، مما استلزم بالضرورة توزيع الاختصاصات الإدارية على أساس آخر (إلى جانب الأساس الجغرافي) وهو طبيعة النشاط وخصوصية حاجات المواطنين المطلوب من الدولة إشباعها، فهناك مجموعة من المشاريع العامة التي -بسبب طبيعتها الخاصة- لا يلائمها أن يديرها الأشخاص الإدارية المركزية وبالطريقة التقليدية بل يلزم أن تتولى إدارتها أجهزة إدارية متخصصة ومستقلة نسبياً عن الحكومة المركزية.

وبمعنى آخر، فإنه إذا كانت اللامركزية الإقليمية قد قامت في المقام الأول على اعتبارات سياسية ديمقراطية تتمثل في ضرورة مشاركة الأفراد في ممارسة الوظائف العامة من خلال ممثليهم في المجالس المحلية، فإن نشأة اللامركزية المرفقية ترجع في المقام الأول إلى اعتبارات فنيه تتمثل في ضرورة تحرر المرافق العامة من الروتين وتعقيدات الأسلوب الحكومي وضرورة تمكين أهل الخبرة والكفاءة من إدارة هذه المرافق مع قدر كبير من الاستقلالية.

وبالمقارنة ما بين اللامركزية بصورتها الإقليمية واللامركزية المرفقية، يتضح أن هناك مجموعة من الفوارق بينهما والتي يمكن أن نجملها بما يلي (كنعان، 2000):

أولاً: أن الهيئات اللامركزية المرفقية -وهي ما تسمى عادة بالمؤسسات العامة- تمارس نشاطاً محدداً يتمثل في إدارة مرفق معين، في حين أن الهيئات اللامركزية الإقليمية، وهي ما يُسمى بالمجالس المحلية، تمارس أنشطة مختلفة ومتنوعة في جزء من إقليم الدولة. ففي الأردن مثلاً تمارس كل مؤسسة عامة عملاً محدداً يتعلق إما بالتعليم كما هو حال الجامعات أو بالاتصالات أو بالإعلام أو بالرعاية الاجتماعية...وهكذا.

ثانياً: الهيئات اللامركزية الإقليمية تنشأ من حيث المبدأ لاعتبارات سياسية تتعلق بترسيخ النهج الديمقراطي وتعزيز مشاركة المواطنين في الحكم على المستوى المحلي، في حين تنشأ الهيئات المرفقية أو المصلحية لاعتبارات فنية تخصصية تستهدف بالمقام الأول تقديم خدمة أفضل وبإنتاجية أكثر.

ثالثاً: هيئات اللامركزية المرفقية (المؤسسات العامة) لا تخضع لنظام قانوني واحد بل ينطبق على كل واحد منها أحكام القانون الخاص بها وفقا لطبيعة النشاط الذي تقوم به، فالقانون الذي يحكم المؤسسات التعليمية كالجامعات يختلف عن القانون الذي يحكم المؤسسات الاجتماعية كمؤسسة الضمان الاجتماعي وغيرها.

ويتضح من العرض السابق أن موضوع الإدارة المحلية يندرج تحت مظلة اللامركزية الإقليمية، والتي تسمح -كما رأينا للتو- بوجود مجالس محلية منتخبة تتولى إدارة المرافق المحلية وتمثل مصالح سكان الإقليم إلى جانب السلطة المركزية في الدولة. أما اللامركزية المصلحية أو المرفقية؛ فتتمثل في "المؤسسات العامة" بأنواعها المختلفة، وهو ما يتم دراسته عادة في مادة القانون الإداري وفي سياق موضوع الإدارة المحلية (الخلايلة، 2023).

كذلك تعددت أهمية الإدارة المحلية، فجاءت على أربع جوانب من الأهمية، سوف أوجزها كالتالي :

أولاً: الأهمية السياسية

إن الأخذ بنظام الإدارة المحلية من شأنه أن يسهم في إشراك المواطنين في إدارة وحدتهم المحلية بما ينطوي عليه ذلك من ترسيخ للنهج الديمقراطي ولفكرة حكم الشعب لنفسه بنفسه، فممارسة الديمقراطية على الصعيد المحلي ( أو ما يسمى أحياناً بالديمقراطية الإدارية أو المحلية )، هي المدرسة النموذجية لممارسة الديمقراطية على المستوى الوطني( الديمقراطية السياسية).

إن تطبيق الديمقراطية على المستوى المحلي من خلال نظام الإدارة المحلية يحقق تقوية البناء السياسي للدولة، وذلك بتوزيع الاختصاصات الادارية وعدم تركيزها في العاصمة؛ مما يُسهم في إمكانية مواجهة الأزمات والمصاعب المختلفة؛ ففي ظل المركزية الإدارية يكفي أن يختل النظام في العاصمة في أوقات الحروب أو الكوارث حتى يصاب الجهاز الإداري للدولة كله بالشلل أو التعثر (الخلايلة، 2023).

ثانياً: الأهمية الإدارية

تنبع الأهمية الإدارية للإدارة المحلية، كون الإدارة المحلية نظاما تطويريا يقضي على الروتين والبيروقراطية الإدارية المركزية، حيث يخفف من أعباء الإدارات المركزية وينقل جزءاً كبيراً من الوظيفة الإدارية للهيئات المحلية الأقدر على مواجهة الواقعية لكل وحدة، إن اعتماد اسلوب الإدارة المحلية يؤدي إلى تقسيم العمل وتوزيع الاختصاصات، والذي يترتب عليه اختصار للوقت والجهد والنفقات وسرعة البت في المعاملات والحد من البطء والتعقيد في الاجراءات، كذلك فإنَّ الإدارة المحلية الأقدر على تحديد الحاجات العامة للمواطنين وتلبيتها وأكثر دراية وخبرة بمشكلات مناطقها وسبل علاجها، كذلك فإن قابلية نظام الإدارة المحلية للإصلاح الاداري بشكل أسرع من الإدارات المركزية، نظراً لاستقلالها من الناحية الادارية والمالية.

ثالثاً: الأهمية الاجتماعية

تبرز الأهمية الاجتماعية لنظام الإدارة المحلية فيما يلي:

1- إثارة إهتمام المواطنين وحفزهم للتعاون لإدارة شؤونهم المحلية، لأن المواطن سيشعر بأنه يشارك بفعالية -من خلال ممثلية في المجلس المحلي- في إدارة مصالحهم اليومية، وهذا من شأنه أن يفجر الطاقات الفكرية والثقافية لدى السكان المحليين.

2- يُسهم نظام الإدارة المحلية -إذا ما وصلت المجتمعات المحلية من خلال الممارسة إلى درجة من الوعي الثقافي والسياسي- في تحول الولاء من ولاء للأسرة إلى ولاء للوطن وللمصلحة العامة.

3- إيجاد شعور بوجود نوع من العدالة الاجتماعية، إذ يكون للمواطنين في مختلف أرجاء الدولة نفس القدر تقريباً من المزايا والخدمات.

4- إيجاد نوع من التنافس لدى سكان الاقاليم المتجاورة في مجال التنمية والتطوير، وهذا من شأنه أن ينعكس أيجاباً على المصلحة العامة للدولة ( الخلايلة، 2023).

رابعاً: الأهمية الاقتصادية

قد تخفف الإدارة المحلية من الأعباء الاقتصادية الملقاة على كاهل الحكومة المركزية، وذلك من خلال اعتماد وحدات الإدارة المحلية على مصادر تمويل ذاتية لتغطية نفقاتها ومواجهة احتياجات السكان المحليين، كما أنَّ استقلال هيئات الإدارة المحلية المالي قد يدفعها نحو تحقيق مفهوم التنمية الشاملة على الصعيد المحلي، من خلال تطبيق التنمية الاقتصادية المحلية، وتأسيس المشروعات الاقتصادية الملاءمة للوحدات المحلية، مما يساهم بالنتيجة في التنمية الاقتصادية على المستوى الوطني، ناهيك عن خلق فرص العمل للسكان المحليين وتحسين مستوى معيشتهم.

وتتمثل المساهمة الاقتصادية للإدارة المحلية في المشروعات التي يمكن أن تُدِر دخلاً على المجالس المحلية، مثل إقامة المشروعات الاقتصادية ودعم الصناعات الحرفية الصغيرة والتوسع فيها، والعمل على تأمين خدمات النقل العام داخل المجالس المحلية وبينها وبين المجالس القريبة منها، وإنشاء الأسواق التجارية وأسواق الخضار المركزية ومواقف المركبات وغيرها من الإنشاءات التي يمكن تأجيرها للمواطنين؛ بحيث تُدِر دخلاً ثابتاً للمجالس المحلية لتعزيز قدرتها المالية، والمساعدة في إيجاد وتطوير أنواع جديدة من النشاط الزراعي والصناعي تستغل فيه إمكانات المنطقة المحلية استغلالاً أفضل (القبيلات، 2023).

تعليق عبر الفيس بوك