إبداعات صاعدة انتهى بها المطاف خلف لافتات "للبيع أو الإيجار"

المشاريع المتعثرة.. طموحات شباب مُكبلة بالغلاء وارتفاع الفواتير والمنافسة "غير العادلة" من كبار المستثمرين

 

 

 

الرؤية - فيصل السعدي

على ما يبدو أنَّ تعافي اقتصادنا الوطني من تداعيات الأزمة المزدوجة "كوفيد 19" و"أسعار النفط"، لم يصل صداه بعد إلى قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ لم يشعر بتبعات هذا التعافي روَّاد ورائدات الأعمال من الشباب، ليظل مسلسل المعاناة مستمرًا وتظل أعداد لوحات "للبيع" تتنامى في مختلف المحافظات، موصِدةً مشاريع ناشئة كانت تتلمَّس خطواتها الأولى في قطاع الأعمال، وشباب مثقل بالخسائر، وتراكمات باهظة الثمن لإيجارات وفواتير مؤجلة.

"الرؤية" استطلعت عددًا من رواد ورائدات الأعمال للوقوف على أسباب الخسائر وملابسات تأخُّر موجة التعافي من الوصول لهذا القطاع الواعد.

يقول أشرف بن غصن الجعفري صاحب محل برجر: إنَّ السبب وراء خسارة مشروعي أنه لم تكن هناك قوة شرائية نشطة، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع التكلفة التشغيلة للمشاريع، ومن ثمَّ لم يعد مشروعي يحقق عوائد مالية مجزية مع انخفاض المبيعات، الأمر الذي كان نتيجته خسائر هائلة، وانضممت لطابور طويل من المشاريع المتعثرة، لأضع لافتة "محل للبيع" عِوضا عن عرض سلع ومنتجات تُعين على كسب لقمة العيش.

من جانبه، قال فريز منذر كلكوش صاحب مطعم شاورما شاميات: نحن شباب سوريون أتينا سلطنة عُمان وأنشأنا مطعمًا مختصًا في الشاورما والفلافل السورية وأكلات أخرى، ورغم افتتاح النشاط التجاري في مسقط وتميزنا فيه ولاقى استحسانًا وقبولًا لدى العملاء، تعثر المشروع إلى أن انتهى الحال لغلق المطعم وإنهاء نشاط المشروع. مُرجعًا السبب في ذلك إلى ارتفاع الإيجارات، وضعف القيمة الشرائية، وغلاء فواتير الماء والكهرباء.

أما أحمد الجهوري صاحب محل بوتيك بولاية السويق، فقال: تعرض مشروعي التجاري للخسارة؛ وذلك بسبب الركود الحاصل في السوق نتيجة ضعف القوة الشرائية، فأغلب من يزور المحل ليسوا زبائن هم يدخلون المحل فقط للاستفسار عن قيمة السلع أو الخدمات التي نقدمها وليس للشراء. ولفت الجهوري إلى أنَّ الزبون أصبح يركز على "السعر الأقل" أكثر من جودة المنتج والخدمة. مضيفا: لدى أصحاب المحلات الكبيرة سيولة لدفع إعلان عن طريق نشر محتوى ترويجي للمحل بواسطة ناشط اجتماعي أو مشهور ما، الأمر الذي يجعل الكفة غير عادلة بالنسبة للمحال التجارية الصغيرة والمتوسطة.

 

وأوضح عبدالعزيز بن خلفان المزيني -صاحب مكتب تخليص معاملات في ولاية صحم- أسباب ضعف ربحية مشروعه، قائلا: في السابق كانت قيمة إيجار المحل الواحد تتراوح بين 60 و70 ريالًا، أما اليوم فتخطت المائة ريال، مع ارتفاع فاتورة الكهرباء؛ كونها تحت تسعيرة تجارية، مُطالبا بدعم فواتير كهرباء المؤسسسات الصغير والمتوسطة. وبيَّن المزيني سبب محدودية ربحية مكاتب تخليص المعاملات، والتي تتلخص في التضييق في اختصاصات ومهام هذه المكاتب، وفي المقابل إعطاء مكاتب سند مهام واختصاصات أكثر. موضحا: ننجز نصف المعاملة للزبائن، ثم نقف لتتحول المعاملة إلى مكتب سند، وهذا سبب وجيه لقله زبائني. كما لفت إلى أنه صاحب مكتب لتخليص معاملات منذ العام 2012، لكنه لم يحصل على موافقة للتحول إلى مكتب إلى الآن، ولا يزال يخسر زبائنه بسبب قلة اختصاصات المكتب.

 

وبرؤية اقتصادية، قال الدكتور محمد بن حميد الوردي الأكاديمي والمحلل الاقتصادي: يمكن تقسيم التضخم الحاصل في السلطنة إلى نوعين: محلي نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والماء والوقود، ومستورد نتيجة ارتفاع أسعار الواردات والخامات. معتبرا أن التضخم المستورد هو السبب الرئيسي الذي أدى لانخفاض القوة الشرائية للمستهلك في السلطنة؛ مما تسبب في قلة إيرادات الكثير من المشاريع وبالتالي تعثر وخسارة البعض منها.

وأشار الوردي إلى أنَّ المشاريع المتشابهة فوق طاقة السوق وتكدسها بنفس المنطقة يقود لحرب في الأسعار، وبالتالي خروج بعضها بخسارة، وهذا ما نراه من تكدس الكثير من المحلات في نفس المنطقة على سبيل المثال محلات السوبر ماركت والبقالات والمطاعم والمقاهي وصالونات التجميل. وتابع الوردي: هناك سبب شرس يجب التغلب عليه وهو "عدم ملاءمة بعض المشاريع لاحتياجات السوق"، إما لكثرتها بالسوق أو لأنها كمالية وثانوية، ولا تتناسب مع الدورة الاقتصادية الحالية.

وينصح الوردي المقبلين على فتح مشاريع جديدة في ظل التضخم الحاصل بالبعد عن النمطية السائدة وعدم تقليد الآخرين بمشاريع مُتشابهة في نفس المنطقة، والعمل على اكتشاف مشاريع جديدة ذات قيمة نوعية أو إيجاد مناطق جديدة لم تتشبَّع بمثل هذه المحلات أو الخدمات المقدمة، وكذلك العمل على دراسات جدوى مستفيضة لبيان جدوى المشروع ومدى حاجة السوق له، ومدى ملاءمة الموقع للمشروع والقوة الشرائية للشريحة المستهدفة، وإضافة لذلك: العمل على اكتساب خبرة عن المشروع قبل المخاطرة بضخ "تحويشة العمر" في مشروع ما. ودراسة المخاطر له والمحيطة بالمشروع وعدم المخاطرة بضخ كافة المدخرات في مشروع واحد.

وفي المُقابل، يقترح الوردي عددًا من الإجراءات على المستوى الحكومي لضمان ربحية واستمرارية هذه المشاريع؛ ومنها: العمل على تنظيم إقامة بعض المحلات والخدمات والورش؛ باشتراط تباعدها عن بعضها قدر المستطاع، إن كان ذلك ممكنًا، والعمل على توعية وتثقيف رواد الأعمال عن أصول استثمار وأهمية عمل دراسات الجدوى المستفيضة قبل الشروع بالمشروع. كما نصح الوردي بمحاربة الاحتكار والمنافسة غير العادلة، خصوصا تلك التي تقوم بها الشركات الكبرى ضد الشركات الصغيرة والمتوسطة مما يؤدي لتعثرها وخروجها من السوق بخسارة.

تعليق عبر الفيس بوك