"أعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه"

لينا الموسوي *

سمعنا كثيرا هذا المثل الشهير، حيث يُستخدم في بلاد الشام ومصر، وتم تداوله في دولنا العربية.. المثل الذي سمعته منذ الصغر وقد أدركتُ معناه عند دخولي الحياة العملية لأعمل وأمارس نشاطي كمهندسة معمارية، هذا المثل أتذكره كلما مرت عليَّ حالة مؤلمة من الأعمال غير المتقنة أو الجيدة.

فالتنوع في العمل مطلوب، ولكن بعد تعلمه بصورة علمية صحيحة وإتقانه بشكل جيد؛ لذلك ظهرت الاختصاصات المتنوعة في الأعمال؛ حيث إنَّ الدراسات والعلوم وجدت لخدمة الناس، وكلٌّ يبحث عمَّا يناسبه فيتعلمه أو أحيانا يجبر على تعلمه، ولكن من الضروري إتقانه، وهذا ما أوصى به الرسول عليه السلام "إذ عمل أحدكم عملا فليتقنه".

فالمهندس له علمه الذي درس وسعى وبحث فيه ويعمل به، والطبيب والمحامي والعامل والخباز، وكل إنسان يعيش في المجتمع له دوره وعمله وعلمه؛ سواء حصل عليه من الخبرة أم من الجامعات والمدارس. حيث احترام قيمة العمل في اعتقادي دليل على رقي ورفعة الشخص وبالتالي المجتمع، فمثلا الطبيب لا يستطيع أن يأخذ دور المهندس في الإدارة والقيام بالعمل أو إتقانه، فلكلٍّ منهم دوره وعمله، وإن كان يمتلك المعلومات المتنوعة للأعمال الأخرى.

نلاحظ  أن في السنوات الأخيرة بعد تطور التكنولوجيا وبرامج التواصل الاجتماعي، تم الخلط في مفاهيم العلوم وعدم إعطائها قيمتها الحقيقية، وهذا ما يؤثر سلبا على الإنسان وفكره ومن ثم مجتمعه.

ومع مرور الزمن، تتوارث الأخطاء والقيم اشلسلبية، لتصبح هي القيم الصحيحة التي يتبعها المجتمع في مسيرته العلمية والوظيفية، كما يحدث أحيانا في مهنتنا المعمارية والتصميم الداخلي؛ حيث توجد هناك أخطاء كبيرة ترسخَّت في عقول بعض المجتمعات بسبب تداولها دون علم أو دراية؛ مما أدى إلى اعتمادها كحقيقة في التصاميم المعمارية، ولا نستطيع مسح آثارها من أذهان الناس.

والسبب في ذلك يرجع لعدم إعطاء العلم أو المهنة قيمتها الحقيقية، وقد يشكل هذا عبئًا وخطورة على الناس وتعرضهم لخسائر فادحه تعرقل أعمالهم.

إن إتقان العمل من صاحب التخصص مهم جدا، وفهم طالب العمل واحترام قيمة المهنة أيضا مهمة؛ لذلك نجد أن الدول المتقدمة تركز على توعية المجتمع في مختلف المجالات وإعطاء أهمية إلى التخصصات وتشدد على القوانين التي تخص العمل وإتقانه؛ مما ينعكس بدوره على زرع الطمأنينة في التعامل المهني بين أفراد المجتمع.

إنَّ عدم خلط المفاهيم والمهن والجهل في معرفة الجهد المبذول من صاحب التخصص لإظهار عمل جيد يعتبر عاملًا مهمًّا لإسعاد الناس ليوفر عليهم قدرًا من الجهد والمال؛ حيث إنَّ صانع الخبز أدرى بمكونات خبزه لذلك أعزائي فلنعطِ الخبز لخبازه ولو أكل نصفه ونسعد بلذة أكله.

* مهندسة معمارية

تعليق عبر الفيس بوك