رحلة ورأي

 

 

طفول سالم

لاشك أنَّ الحياة تتطلب حركة دائمة شاقة، كل مرحلة منها تسلمنا إلى الأخرى، والإنسان شاء أم أبى فهو ملزم بخوض مضمارها مستسلمًا لمآلاتها، والمسلم الحق هو ذلك الإنسان الحريص على أداء متطلبات إيمانه وأركان إسلامه، وحلم كل مسلم الذهاب لأداء فريضة الحج تلكم التجربة الروحانية المليئة بالإثارة والتشويق، خلالها ينغمس المرء في الاعتزال بعيدا عن أفكار البشر والتحرر من سلوكاتهم اليومية الملزمة، فإذا به يتجاوز عالم الماديات، ولا يحس بصخب الناس وهو بينهم، يمر بين الأفواج ولا يشعر بضجيجهم وقد يظن في كل مرحلة يمر بها أنه قد عاشها سابقًا.

رحلة الحج البرية التي عشتها لفترة مع حملة (الدبلة) للعمرة والحج كانت مشوقة تطلبت الكثير من التخطيط والإعداد كانت تجربة فريدة لا تنسى، وكانت بالنسبة لي فرصة رائعة تعرفت فيها على أسلوب الحملات وتنظيمها ومحاولات إنجاحها، الرحلة لا تخلو من المشقة والإرهاق وكنت بحاجة إلى الكثير من الصبر وكبح الذات للظهور بأفضل ما يمكن لرفقاء الرحلة، خاصةً وأننا ذاهبون لأداء خامس أركان الإسلام الحنيف بعد أن لمست في ذاتي الاستطاعة.

من أجمل الأوقات التي خففت عن الجميع عناء السفر ومشقة الطريق وجود "بيش محود" عمتي فاطمة وهي سيدة ذات حضور مهيب واحترام وتقدير من الجميع، جلساتها لا تخلو من السوالف الطيبة و"أخذ العلوم" وتعمل على إفشاء السلام، وروح المرح بين الجميع، تفوح رائحة قهوة العمة فاطمة أثناء الاستراحات، وعلى الجميع ارتشاف تلك القهوة التي تخفف عنّا مشقة الطريق.

لقد شعرت وكأني وسط عائلتي؛ فالجميع في الحملة سواء الرجال أو النساء كلهم يتمتعون بروح التعاون والتآلف فيما بينهم، والحرص على الروح الأخوية، لم نشعر بالغربة بتاتا طوال رحلتنا ذهابًا وإيابًا.

بين الحدود تلاحظ جميع النقاط تعمل بأقصى سرعتها لتسهيل الأمر للحجاج، وهذه نعمة الوحدة بين الدول الشقيقة.

عندما وصولنا المدينة المنورة انتابنا شعور بالانشراح والطمأنينة وراحة البال، ربما كان هذا الشعور عبقًا نديًّا سابحًا، وتنقل ذلك الشعور الجميل لكل من يزورها في محيط المدينة المنورة منذ الوهلة الأولى لقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا، ذلك الشعور الجميل يتسرب لكل زائر يزورها إلى ما لا نهاية؛ إنه الترحاب من أهل المدينة، النشيد الخالد، إنها الفرحة العارمة التي ما زالت تعبق في أجواء المدينة المنورة، حين رفعوا صوت النشيد، على مسامع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكيف تصف أنّك حقا لامست أرضًا مشى عليها خير الأنام صلى الله عليه وسلم.

على كل شبر من الصحراء بين المدينة المنورة ومكة المكرمة أسترجع ما درسناه من مواقف رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الميامين، ولا يغيب عن البال الهجرة النبوية الشريفة التي غيَّرت مجرى الدنيا والتاريخ بشكل جذري وللأبد ليندحر الشرك الوثني بعد الفتح المبين.

لقد ضاعفنا الجهد والعناء للمشي لمسافات طويلة؛ حيث انتابنا شعور بقسوة الجو في البلد الحرام وكان لابد من التحمل؛ حيث شعرنا بفارق نفسي وجسدي فسبحان الله.

في محطتنا التي بتنا فيها منى فاحت قهوة "بش محود" حيث تهافت الجميع من المخيم ومن خارجه طلبًا للشاي والقهوة؛ عمتي فاطمة بطلتها البهية وبرائحة قهوتها الشاذلية تجلب معها الانشراح والسعادة وراحة القلب بمجرد شمها، فما بالك بالذي يرتشفها؟!!! أدام الله عليها عافيتها وإطال عمرها.

كذلك ما وجدته من خدمات البعثات الوطنية التي تشعرك بأن أبناء الوطن هم الأيادي الأمينة التي تحفنا بالحماية والمساعدة أينما ذهبت تلك الكوادر العمانية التي نفخر بهم وبوجودهم وحرصهم على خدمة الجميع دون استثناء؛ ارفع لهم القبعة احترامًا وتقديرا.

على الطريق حيث أخذ التعب مأخذه من الجميع نزلنا للاستراحة والوضوء؛ فلاحظنا ما بدا من تطور من خلال توافر الحمامات والاستراحات، أذكر أنها لم تكن موجودة لما مررت بهذا الطريق منذ سنوات بعيدة فحمدنا الله وتطلعت أنفسنا لما هو أفضل .

كما نعلم جميعا أنَّ عُمان الجزء الأكبر من منطقة صحراوية حباها الله بشمس دائمة الحضور، فخطر ببالي لِمَ لا نستفيد من الشمس للإنارة وتوفير العديد من دورات المياه الذكية؛ يمكن تنظيم الاستراحات ودورات المياه على الطرق والحدود الدولية عن طريق وضع خطة شاملة لتوزيعها بشكل متساوٍ على الطريق، وتحديد المواقع المناسبة لإقامتها.

يُمكن العمل على تصميم وتنفيذ دورات مياه ذكية تعمل بتقنيات حديثة وتساعد على تحسين تجربة الزوار وتقليل الأضرار البيئية، نستطيع عمل نظام تحكم ذكي يعمل بالحساسات والأجهزة الإلكترونية، مثل الحركة والضوء والصوت، لتوفير الطاقة الشمسية والمياه وتحسين كفاءة الاستهلاك، وتوفير الراحة والنظافة بما في ذلك توفير الصابون والمناديل الورقية والمعقمات بشكل تلقائي.

كذلك من الممكن استخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من توصيل الاتصال بالانترنت، لتوفير جميع الخدمات الإضافية للمستخدمين، واستخدام التقنيات الحديثة، مثل شاشات اللمس والأجهزة الذكية،  والعمل على توفير مصادر للطاقة المتجددة، مثل الرياح أيضا لتغذية الدورات بالطاقة اللازمة.

يتطلب تصميم وتنفيذ دورات مياه ذكية تعاوناً بين الجهات المعنية، مثل الحكومات والشركات والمؤسسات الأكاديمية، ويجب الاهتمام بالتكلفة والاستدامة البيئية في تصميمها.

طبعا نحن قادرون على ذلك مع التقنية القوية القادمة مثل الذكاء الاصطناعي أن نحاول الاستفادة منه وتطبيقه في كافة المناطق خاصة الأماكن الحيوية، وعلى الطرق والأماكن البعيدة لتوفير الطاقة مهما كان البعد.

وما لاحظته في رحلتي هذه، وعند التقاء حملات الحجاج في نقاط التقائهم من جميع ولايات السلطنة، وشكوى بعض الحجاج من استغلال بعض حملات الحج والعمرة للطيران لارتفاع أسعار التذاكر والأغرب سكوت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عن هذه المبالغ الهائلة، فلا يمكن أن تكون تذكرة للحاج الواحد 2400 ريال، مما سبب الإحباط للحجاج من هذا الاستغلال الذي لا يستطيع أحد التدخل فيه؛ فلم لا تكون هناك وحدة لأسعار تذاكر الحجاج إن كان على الطيران أو النقليات البرية؟! وتخفيف حِمل هذا الثقل عن كاهل المواطنين الذين لا يستطيعون تدبير المبالغ المُباَلغ فيها والحد من طمع تجار الحملات من استغلالهم.

حفظ الله السلطان هيثم وأيده بالنصر والصحة والعافية، وجعل عماننا في ظله بازدهار وتطور للأمام بين الأمم.. هذا والله أعلمُ وأكرمُ وأحكم.

تعليق عبر الفيس بوك