أحداثٌ تصرع

 

 

 سالم بن محمد العبري

رُبَّما اعتاد المتكبرون والمستعمرون والمتطفلون أن يفجعوا عالمنا العربي والإسلامي بفجيعة صبيحة عيد الأضحى، وحين يكون المسلمون يعدون بالملايين في المشاعر الحرام، وكأنهم يهزأون منا كمسلمين اعتبرونا كما روي بالحديث النبوي "غثاء كغثاء السيل".

نعم نحن غثاء وإن كنا ربع أبناء آدم، ونتوسط الكرة الأرضية، وحبانا الله ثروات لو حرصنا عليها وعلى نوعية استخدامها لكنا بها مرهوبي القامة مسموعي الكلمة، لكن كنا قبل الإسلام قبائل وفخائذ، وبعد هداية الله سرنا مذاهب وقبائل ومِللا ونِحلا، فكيف نُحترم ونحن كذلك ونقدس غير المقدس ونعظم غير المعظم، بل نخلق أصناما نعبدها من دون الله.

هكذا ذهب ذلك المتطفل السويدي الجنسية العربي الأصل، بأنْ تجرأ ونفذ استهتاره بحرق كتاب الله الذى أنزله الله هدى وبشرى ورحمة وطمأنينة وخلاصًا للبشرية، صبيحة أن كان المسلمون في مصلياتهم وجوامعهم وعلى عرصات الحج الأكبر، بتصريح وحراسة رسمية وتشجيع من قوى الاستكبار والاستهتار بالضعفاء وغثاة الأرض والبشرية.. أآلا تنفطر قلوبنا؟ ألا تتمزق؟!!!

رُبَّما انشغل البعض بمظاهر العيد وسلوك العادات، فلم ينتبه إلا ليلا، ومرت عليه صور الأخبار والفاجعة والطعنة، فلم يأتِ له النوم رغم إرهاق الجسد، وكيف تغمض جفنه وهو يسترجع تلك الصور الأليمة المستهتِرة، ويستعرض حال أمة "تسام على خسف فلا تتذمر"، بيانات لا تساوي حبر ما كتبت به فلما تنمَّرت جماهير الأمة في الأقطار والدول الحية تحركت بعض النظم تخشى عاقبة غضب المؤمنين، فأبدت شيئا من إعلاء وتيرة الرفض وخرجت بعض المراجع تآزرها. مرت الليلتان على مثل شخصي! (وكأن النبي محمدا صلى الله وسلم تسليما كثيرا اليوم وري التراب).

هممتُ أن آخذ مكبر الصوت قبيل صلاة الجمعة أو بعدها فأقول: "أيُّها الأخوة، يقول الله عز وجل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" إن الله هو حافظ كتابه ونحن معا لا نملك إلا ضمائرنا وألسنتنا ودعائنا الذى نرفعه لمُنِزل الكتاب وحافظه، فردِّدوا معي في سركم لا أقول جهرا في مسجدكم وجوامعكم ومصليات نسائكم وفي بيوتكم وعند كل صلاة: ربنا يا من أنزلت قرآنك الكريم على نبيك محمد خاتم رسلك، وتعهدت بحفظه، يا من حفظت إبراهيم من نار نمرود، وحفظت بيتك الحرام من أبرهة وفيلته، وحفظت محمدا وصاحبه بالغار، أرنا فيه وفيهم آيات قدرتك وعظيم انتقامك وشديد عقابك، هذا رباه ما نستطيع لا حول لنا إلا قوتك وعزتك وحفظك".

مرَّت الليلتان تعتصران قلبي، وتتأكد نيتي للحديث بالمسجد، ونصبح في ثالت أيام العيد ونتحرك متأخرين عن الموعد المعتاد للجلسة المعتادة التى تأتي إليها الحمراء والمناطق الأخرى بالولاية وقد يؤمها البعض من البلدان الأخرى وقد التأم الجمع مبكرا، وانتهت الجلسة قبل المعتاد، فخرجنا لزيارات قد اعتدنا أن نقضيها بصحبة أخي الدكتور علي بن هلال العبري وبعض الأولاد، وأحيانًا بعض الأصحاب؛  فكانت وجهتنا أولا لزيارة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي السلطنة كما كنا نفعل في أغلب الأعياد والمناسبات، فوصلنا مبكرين، وكان أبو غالب قد نبهني إلى أن لا نتعجل بالخروج كما تعجلنا بعيد الفطر الماضي، فإن فضيلته قد يخرج، لم نجد بالمجلس إلا الأخ ابنه الشيخ أفلح، فجلس إلى جانبي، وبعد التحية المعتادة بادرته بإثارة حادثة إحراق المصحف صبيحة العيد، وإن هذه الجريمة يستلزم أن لا تمر دون أن تلقى الرفض والاهتمام المماثلين لهذا الإجرام والاستهتار، وعلى سماحته ومكتبه أن يبادرا بالاتصال بالمؤسسات المماثلة كالأزهر الشريف وبالشيخ ماهر حمود رئيس علماء المقاومة وبعلماء الشام والعراق وإيران وإندونيسيا...إلخ، وطال الحديث بيننا لأنَّ الشيخ لم يتعجَّل الخروج ونحن وصلنا مبكرين، فكانت فرصة ومتسعًا من الوقت للتداول الجاد الملبغ للرسالة التى طلبتُ منه أن ينقلها مني لأبيه الشيخ المفتي، وكررت الطلب والإلحاح، وما هي إلا دقائق بعد حديثنا الوافي، بدأ الزوار يتوافدون مُسلِّمين، ثم أقبل فضيلة الشيخ قبل أن تأتي الزُّرف من الناس، وسلمنا عليه في فسحة من الوقت، وأشرت إليه برسالتي إليه مع ابنه الشيخ أفلح، وخرجنا وقد صار المجلس يدعو لإفساحه للآتين أفرادا وجماعات.

فارتاح ضميري وقد أبديت الرأي والإنكار لهذه الجريمة؛ لذلك عدلت عن الكلمة في الجمعة ، ولكن ما ساءني أن الخطبة -ربما في كل المساجد والجوامع- مرت عليها الحادثة وكأنها لم تسمع بها وتهتم بها.  والآن قد تتابعت المواقف معظمها لا ترقى للحدث والواجب الديني، وبعضها كان إلى حد ما مقبولا، لذلك جاءت إدانة السويد إدانة لا تكفي، ولا يجب السكوت عنه؛ لذلك نطالب  بما يلي:

أولا: أن تعتذر السويد دولة ومؤسسات اعتذارا لا لبس به حتى تكون عبرة وحتى لا تتكرر هذه التصرفات القذرة.

ثانيا: يجب سحب السفراء لفترة لو قصيرة، وتعهد المؤسسات العربية والإسلامية باتخاذ مواقف صارمة إذا بدرت تصرفات كهذه الفعلة.

ثالثا: تسليم الفاعل لمحاكمة دولية عادلة موثوقة.

رابعا: على الجماهير المسلمة أن تقاطع السلع السويدية الاستهلاكية لشهر وأن تقاطع السلع المعمرة كالسيارات (لمدة عام 1445).

بذلك؛ يفي كل منا بما يلقيه عليه إيمانه الحق، وعلى الله نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تعليق عبر الفيس بوك