د. أحمد العمري
لقد جاب العمانيون شرق الدنيا وغربها، وسطروا بطولات وأسسوا لأمجاد يذكرها التاريخ، وسيذكرها حتى يشيب الغراب ويبلى التراب.
إنهم أبطالٌ خلَّدوا التاريخ وكتبوه بأحرف من نور، ستبقى مشعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، شاء من شاء وأبى من أبى، فلا نكران ولا تحريف ولا تبديل عن تاريخ مُوثَّق بالعسجد، ومُطرَّز باللآلئ الزمردية المشعة.
التاريخ العماني متنوع ومتعدد الاتجاهات، وفي مختلف المجالات والتخصصات، ومن لديه أدنى شك ولم يكن مُطَّلعا على التاريخ الموثق لدى الجميع، فليقم بزيارة ولو خاطفة إلى متحف عُمان عبر التاريخ في ولاية منح بمحافظة الداخلية، الذي وضع حجر الأساس لإنشائه السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ليأتي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه ورعاه وأطال لنا في عمره- ليفتتحه وليتواصل تجديد النهضة العمانية الحديثة من مؤسس لها ومجدد ومواصل لها في كل مناحي الحياة.
وكما قلنا، فإنَّ التاريخ العماني متشعِّب ومتعدد ومتنوع وشامل وواف، لكننا هنا سنركز على جانب فرعي صغير منه وهو الجانب البحري؛ فقد كان لعمان أسطول بحري كبير لا يُغلب ولا يضاهى، وقد امتدت هيمنته من زنجبار في إفريقيا مرورًا ببحر العرب والمحيط الهندي عبر خليج عمان والخليج العربي.
حتى عندما وضع الفرس السلاسل الحديدية في شاطئ العرب بالبصرة، لم يكن هناك من مُنقذ لها سوى العمانيين.. لقد سافر التجار العمانيون إلى الشرق عبر الهند وسيرلانكا وإندونيسيا وماليزيا، وصولا إلى الصين، حاملين معهم بالإضافة إلى تجارتهم تجارة أعظم وأبقى وهي تعاليم الدين الإسلامي المعتدل السمح الذي ما زالت تنتهجه وتؤمن به سلطنة عُمان إلى يومنا هذا؛ لأن المبدأ ثابت والفكر واضح والرسالة خالدة.
لقد وصل العمانيون إلى زنجبار وإلى جوادر وإلى شرق الدنيا وغربها في الجزائر وليبيا وتونس والمغرب، بسماحة أخلاقهم وسمو تعاملهم ورقي ذوقهم، هذا بالإضافة إلى قوتهم التي لا تطاق في حينها. وهنا، وأنا أكتب هذه السطور المتواضعة من تاريخ عمان العملاق، خاصة في المجال البحري، أتذكر الأغنية التي غنَّاها الفنان العماني الراحل سفير الأغنية العمانية الفنان سالم علي سعيد -رحمه الله- والتي غُنِّيت أمام قادة الخليج جميعًا في أول تجمُّع لهم بدولة الكويت عام 1985م، والتي كتب كلماتها الشاعر الكويتي الدكتور عبدالله العتيبي، ولحَّنها الملحن الكويتي أحمد باقر؛ وتقول فيها:
لمن السفائن والعباب وراءها مثل الغباري..
ومن الرجال المبحرون بكل عزم واقتداري..
العابرون جوانب الدنيا بأشرعة الصواري..
هذا ابن ماجدا والعمانيون أسياد البحاري..
عمان أنشودة الليالي..
ومرفأ الحلم والخيالي..
وموطن العرب من قديم..
ودرة صعبة المنالي..
عُمان يا شوامخا يضفو عليها القمر..
ويا بحارا خصبة تنبت فيها الدرر..
ويا بلادا حرة يهفو إليها الظفر..
عُمان يا أنشودة يصبو إليها الوتر..
يا قارئ الأسرار.. من عالم الأثار..
تحكي لك الأحجار فالصخر شاهد.
سلها عن الأجداد…عن أمة ترتاد…
في عالم الأمجاد… فالدهر شاهد
وحتى قبل هذا التاريخ، فقد كان اللُّبان العماني من جنوب عمان وعبر البحار يُصدَّر إلى اليمن في عراقتها وإلى الفراعنة في مصر وإلى بابل في العراق وإلى بيت لحم في فلسطين وإلى روما وإلى الصين والهند. ومازالت الكنائس والمعابد في كل أرجاء الكون لا تقام طقوسها إلا على بخور اللبان، واللبان العماني في الصدارة بدون منازع "ولكننا للأسف لم نعرف أن نسوِّق هذه السلعة بالشكل المطلوب، ولو عرفنا فلربما ضاهت صادراتنا من النفط الذي يتقلب بين الحين والآخر للظروف السياسية".
عموما ها هو التاريخ يسجل بكل فخر واقتدار قدرة العمانيين ومكانتهم وسطوتهم وإمكاناتهم. ولكنَّ سجية العمانيين السمحة وتواضعهم ورزانتهم تجعلهم لا يتحدثون كثيرًا، وغالبًا ما تسبق أفعالهم أقوالهم.
إنَّ هذا وغيره الكثير يجعلني وكل عُماني على هذه الأرض الطيبة يرفع رأسه معتزًا ببلاده ممجدا تاريخها متباهيا بسلطانها.. حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.