معادلة المال والحب

 

 

لينا الموسوي *

"المال لا يغنينا، ولكن القلوب المحبة تغنينا".. كلمات سمعتها فأخذتني بعيدا متفكرة عن عمق معانيها وأبعادها، هذه الكلمات التي تختلف مفاهيمها وأهميتها بين الأفراد وتؤثر بدور كبير على حياتهم.

إن المال أوجده الإنسان فيعمل للحصول عليه لقضاء مستلزماته اليومية والحياتية، ومن ثم يسعى جاهدا إلى الوصول لمستوى أعلى من الرفاهية؛ حيث كلما ازداد المال ازدادت المتطلبات وازداد السعي نحو الرفاهية.

أما الحب الذي نتكلم عنه، فهو منحة كريمة من الله سبحانه وتعالى منحها للإنسان لتُغذِّي روحه وتمده بالطاقة اللازمة للسعي والعمل والحصول على المال اللازم لمعيشته.

ففي اعتقادي، كلاهما مهم ويحتاجه الفرد، والموازنة بينهما مهمة جدا؛ لأنَّ أي خلل يحدث في الميزان يُؤثر على حياته؛ فلعاطفة الحب دور كبير في تكوين تركيبة شخصية الأفراد وتبدأ من العلاقات الزوجية وتنتقل منها إلى الطفل وتكوين الأسرة؛ حيث لهذه العاطفة المميزة دور كبير وقوي جدا في توفير الأمان والطمأنينة داخل نفس الإنسان وتوازن فكره وجسده، ومنه يستطيع العمل وممارسة الأنشطة الحياتية؛ فالحب في تصوري يُبنى وينمو ويتكون بالثقة المتبادلة والتفهم بين الأفراد؛ حيث إنَّ الأسلوب الحسن والصدق في التعامل يساعد على تنمية هذه الصفة.

هذا ما أوجده الله في العلاقات الإنسانية لو ركزنا فيها قليلاً؛ حيث إنَّ حضن الأم الدافئ والأب الحنون، أو حنان الزوجة ويد الزوج، وكل من هذه العلاقات الإنسانية المتبادلة تترسخ وتقوى بهذه العاطفة.

ولكن للأسف بدأت هذه العاطفة الجميلة تضعف قوتها الحقيقية بين الأفراد والمجتمعات بسبب اختلال الكفة بينها وبين الأمور المادية التي تتركز على المال والاقتصاد وارتفاع الدخل وشراء السلع والمظاهر العالية التي زرعت بيد الإنسان، وبدأت مرارتها تظهر في الصراعات بين الأفراد وانهيار الأسر وفساد ملحوظ يسمم نقاء المجتمعات، فإذا تمعنَّا في أساسه سنجد أن السبب الأكبر يعود لاختلال التوازن وقلة القناعات ومحاولة استعراض القوى على كل المستويات؛ حيث بدأت تتغلغل بين ثنايا طبقات المجتمع بقوة سواء كانت بين الأسر أم في سوق العمل أو على مستوى الدول، غير متفكرين ولو للحظة حقيقة مهمة بأنَّ السعادة المادية والرفاهية هي جميلة يسعى إليها الجميع، ولكن لحظات العاطفة الممنوحة من الخالق قد تكون أجمل؛ حيث بها تسعد الروح وينشط الفكر فتزيد من الترابط الحقيقي بين أفراد المجتمع.

إنْ استطاع الفرد الاقتناع ببعض الحقائق البسيطة المهمة، وإن وجد فيها جزءًا من المثالية بسبب ما يحدث من اختلال في كفة الميزان، بأنَّ مهما كبُر حجم المنزل يجلس الفرد في فضاء معين، ومهما كبر حجم الغرفة يستلقي على سرير واحد ويتغطى بفرشة واحدة ويجلس على كرسي واحد، ومهما كبر حجم المائدة لا يستطيع أن يأكل أكثر من حاجته، وكل ما هو باق فهو ليس له. وإن توافرت كل أنواع الرفاهية في حياته وهي خالية من عاطفة الحب الحقيقي الخالص ممن حوله لا تسوى شيئًا في نظره، ويتحول المال إلى أرقام مصرفية تدور حولها الصراعات النفسية والجسدية ولا يجني منها غير التعب والخراب.

فصرتُ أتساءل عن كيفية معادلة الميزان في عالم ثقلت فيه كفة المادة وضعفت فيه كفه العواطف الجميلة التي باتت على شفا حفرة لتسقط وتمحى من قلوب الأجيال الجديدة؟ قد يكون أحد حلول هذه المعادلة في رأيي يبدأ من الدائرة الأسرية الصغيرة داخل المجتمع، فيزرع الود بين الأزواج والأخوة والأهل والجيران والأصدقاء مهما صَعُبت ظروف الحياة فينمو الحب تدريجيًّا في اللاشعور بين الأفراد وتزداد الإلفة؛ حيث إنَّ الألف ميل يبدأ بخطوة.

فلنخطو هذه الخطوة، ولنبدأ بزراعة بذرة الحب بكلمات صافية وعاطفة نقية خالية من أي مصلحة ذاتية، وحضن دافئ نحتوي به أحبابنا، ونقاش هادئ نسعد به قلوب أولادنا ومن حولنا فنُسهم جميعا في رفع كفة الميزان لإنقاذ هذه العاطفة الجميلة من الغرق في موجة بحر المادة.

 

* مهندسة معمارية

تعليق عبر الفيس بوك