فرحة العيد لا تكتمل إلا بتفقُّد الجار

 

 

حمود بن سيف السلماني *

لقد أقبل علينا عيد الأضحى المبارك، والجميع يكبر ويهلل بلسانه وقلبه خلال العشر الأوائل من ذي الحجة المباركة، خاصة يوم العيد المبارك، والقلوب كلها متشوِّقة من أجل زيارة الأهل والأصدقاء والأحبَّة في كل مكان، وأن يضحى المضحي بالأضحية تقرُّباً إلى الله وتقسيم تلك الأضحية على الأرحام والجيران، وترك جزء منها له ولأسرته ليأكلوا منها، والغاية من ذلك هي التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وتذكُّر فداء سيدنا إسماعيل عندما رأى سيدنا إبراهيم -في المنام- أنه يذبحه ففداه الله بكبشٍ عظيم، مصداقاً لقوله تعالى في سورة الصافات: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ".

ومن الأحاديث التي دلَّت على مشروعية الأضحية حديث أنس بن مالك قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما".

وكيف تكتمل فرحة العيد والأجر إذا لم يتفقد الإنسان جاره، حتى سابع جار ولينظر إلى أحوال جاره وأحوال اسرته، وهل ينقصهم شيء من الاحتياجيات الخاصة بالعيد، فالأب لا يهمه سوى أن يرى أبناءه يفرحون بالعيد حالهم كحال أبناء المجتمع، وأنَّا له ذلك إذا لم يكن يعمل أو يجد قوت يومه، فكيف له أن يقوم بشراء مستلزمات العيد لأبنائه.

كما أنَّ فرحة العيد لا تكتمل نهائيًّا عندما لا نرى أطفال جيراننا يخروجون للعيد بسبب عدم تمكنهم من لبس ملابس العيد، وفي المقابل نرى بعض الأطفال يخرجون بزينتهم الكاملة من أجل السلام على الأباء والأعمام والعائلة كلها، حيث إنَّ بعض الأسر لا تستطيع أن تشتري قوت يومها حتى تشتري ملابس العيد لأبنائها والخروج بزينتها.. كل ذلك يكسر القلب.

والنبيُّ الكريم كان يُوصينا بالجار، وذلك لأهمية التواصل وتفقد أحواله لأنَّ الجار هو أقرب الناس إلى جاره في حال غيابه، فإنَّ الجار هو الذي سيتفقد حال أسرة الجار الغائب ويلبي احتياجاتهم كاملة لحين عودة الجار، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" (البخاري).

ويدلُّ ذلك على مدى عناية الإسلام بالجار، والاهتمام به وتفقده بين الحين والآخر، وهذا الذي نفتقده في وقتنا الحاضر -إلا ما ندر- حيث نجد أنَّ القرى البعيدة عن العاصمة تتفقد أحوال جيرانها وتنشط معها الزيارات بين الحين والآخر، وذلك واضح للجميع، وفي العاصمة قد يُفقد هذا الأمر؛ وذلك بسبب أنَّ أغلب البيوت مُستأجرة ولا يعود أصحابها إلا في وقت متأخر أو بعد أن ينتهوا من اعمالهم اليومية أو وظائفهم، وبعدها يخرجوا سواء للتنزه أو لأي سبب آخر.

وانتشرتْ خلال الفترة الأخيرة الكثيرُ من الفيديوهات والرسائل عبر برامج التواصل الاجتماعي تحثُّ الآخرين على تفقُّد حال الجار وما يفتقده الجار من أبسط مقومات الحياة، والعجيب في الأمر أن المحتاج يخرج إلى المسجد والأسواق، والذي يراه يعتقد أنه غير محتاج إلى مساعدة، ولكن في حقيقة الأمر هو مُتعفِّف ولا يستطيع أن يمد يديه لطلب المساعدة خجلاً واستحياءً وكرامة وخوفاً من اختفاء ماء الوجه منه؛ لهذا نجده لا يُظهِر حاجته للآخرين.

لهذا؛ يجب علينا أنْ لا نكسر قلوب الآخرين بعدم تفقُّد أحوالهم ومساعدتهم في شراء ما يمكنهم شراءه من مستلزمات تكفيهم لحياتهم اليومية، والتي تسدُّ رمق يومهم، ولا يُشترط أن يقوم الشخص بالتبرُّع بكل ما لديه، وإنما يتبرع بما يستطيع أن يتبرع به من أجل مساعدة جاره ومساندته، وفي حال عدم بيان أو معرفة من المحتاج من الجيران، فإنه يستطيع التبرع إلى الجهات المختصة لتوصيل تلك المعونات والتبرعات إلى أصحابها، ويُلاحظ في أغلب المجمعات السكنية -سواء في المدن أو القرى- وجود لجنة خاصة بمتابعة ومعرفة أحوال الساكنين وكل المعلومات عنهم، والجميل في ذلك أنَّ كل هذه المعلومات سرية للغاية ولا يعرفها أحد سوى أفراد معينة في اللجنة الخاصة، وهذا أمر محمود ومرغوب، ولهذا لا يجد المحتاج أي حرج من تقديم الطلب لدى اللجنة، والحصول على المساعدة منهم، وماء وجه محفوظ.

كما أنه يتوجَّب على المتبرِّع عدم التصوير والتشهير بالمحتاج، بأن يتم توصيل إليه المساعدات المالية أو المادية الأخرى كالأثاث أو غيره، وذلك لخصوصية الأمر، بغض النظر عن قيام المحتاج نفسه بطلب تلك المساعدة عبر برامج التواصل الاجتماعي ونشرها للعموم، فإنَّ الطلب وإن كان عامًّا، فإنه يتوجب على الشخص عندما يتبرَّع أن لا يُخبر الآخرين بذلك، وحتى تُكتب تلك الصدقة عند الله ويفوز الإنسان بذلك فوزاً عظيماً.

 

* محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك