يسِّروا على الناس في الأيام المباركة

 

سالم بن نجيم البادي

قابلته وهو على عجلة من أمره، ألقى السلام عليَّ دون أن يقف على غير العادة، وحين سألته عمّا يشغله، أخبرني أن اليوم هو آخر يوم يُسمح فيه بحلق الشعر وقص الأظافر؛ لأنه لا يجوز ذلك إذا دخلت العشر الأوائل من ذي الحجة، حسب اعتقاده وهو ذاهب للحلاق.

وقد أثار هذا أسئلة كثيرة لدي، فمن الذي غرس في وجدان فئات من المجتمع أنَّ فعل ذلك واجب لا بُد من الالتزام به والحرص عليه في كل عام، مع أنَّ المسألة فيها خلاف كبير، وطائفة من العلماء يرون أن لا دليلَ قويًا يُعتد به في الأمر بالامتناع عن حلق الشعر وقص الأظافر لمن أراد أن يضحي. وكذلك الحال في صيام 9 أيام كاملة من العشر الأوائل من ذي الحجة، وقد رأيت شيخًا كبير السن قد أحدودب ظهره وهزل جسده وهو مصاب بارتفاع ضغط الدم والقلب وضعف في وظائف الكلى، ودرجة الحرارة في هذه الأيام تحوم حول 50 درجة، ومع ذلك يصوم هذه الأيام متواصلة، وعلمتُ أن فتاة صغيرة تُصِر على صيامها، وأناس كثر يصومون هذه الأيام مثل هذا الرجل وهذه الفتاة، ولا يسعنا إلا أن ندعو الله أن يتقبل منهم، ولكن عليهم معرفة أن الدين يُسر، وفي الأمر سعة، وقد لا يكون من السنة النبوية الحرص على صيامها كاملة في كل عام، وليسامح الله أولئك الذين شددوا على عامة الناس، وإذا علم الناس بعدم وجوب ما يعتقدون أنه واجب من العبادات فهم أحرار في ممارسة تلك العبادات أو عدم ممارستها. لكن يُخشى مع مرور الوقت أن تتحول بعض النوافل إلى ما يشبه الفروض عند بعض الناس.

ومن المعلوم أن الأجر على الأعمال الصالحات يضاعف في هذه الأيام وينبغي الإكثار من العبادات من الصلاة والصوم، وذكر لله سبحانه وتعالى والاستغفار ولا جدال في كل ذلك.. لكن على الإنسان أن لا يغفل الأعمال الإنسانية التي تُدخل السرور إلى قلوب أصحاب الحاجات، والواقع يشير إلى وجود فقراء بيننا يحتاجون إلى مد يد العون لهم؛ لتعمَّ فرحة العيد كل أفراد المجتمع، وحتى نشاهد التضامن والتكاتف والتآزر في مجتمعنا.

العبادات تمنح صاحبها رقة في القلب، وتتحول إلى أفعال يقوم بها الإنسان المقتدر نحو أخيه الإنسان، هنا تكون العبادة قد أوجدت روحًا إنسانية شفافة، لا تستطيع أن ترتاح وهي تعلم بوجود من يعاني ألمَ الحاجةِ. والعبادة التي تجعل صاحبها يتقوقع حول ذاته ويمارس العبادة وكأنها مجرد طقوس أو عادات يومية، فهذا يدل على خلل في هذه العبادة التي لا ينعكس أثرها على التعامل الحسن مع الناس بالأخلاق الفاضلة، والبر والإحسان والمودة والرحمة والتسامح، والسعي للإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجبر الخواطر والقلوب، وبذل المال والصدقات، وصلة الأرحام، ونشر السلام والحب في المجتمع، وإدخال السرور على أفراد الأسرة، والتوسعة في النفقة عليهم، والشفاعة الحسنة، وقضاء حوائج الناس، وكف الأذى عن الآخرين، ومحاربة الظلم، والابتعاد عن السخرية والهمز واللمز والغيبة والنميمة.

إن في هذه الأيام فرصةٌ لاهتمام الناس- خاصة الأقارب والجيران- باليتامى وأصحاب الأمراض في البيوت والمشافي وكبار السن وأصحاب العاهات المستعصية والظروف الأسرية الخاصة مثل حالات الطلاق وتشتت الأطفال والأفراد الذين بينهم نزاعات قديمة أو حتى الأبناء الذين يقاطعون آباءهم وأمهاتهم؛ إذ ليس من الصعب محاولة إصلاح كل هذه العلل والأمراض الاجتماعية.

وليس المقصود أن كل هذه الأعمال تُنجز خلال هذه الأيام العشر فقط، لكن لتكن البداية منها ثم مواصلة الجهود طوال أيام السنة. وكل هذه الأعمال لا تقل أهمية عن الصلاة والصيام والتسبيح والتهليل والتكبير والتسبيح.

هناك عائلات تستحق الرحمة فيها أطفال من مختلف الأعمار يريدون شراء ملابس جديدة وأحذية وأضاحي ومستلزمات العيد من الحلوى العمانية والفواكه وغير ذلك من الأطعمة التي جرى العرف على تواجدها على موائد الأسر العمانية في العيد.

ذاكرة هاتفي حبلى بصور فواتير الكهرباء التي يأمل أصحابها المساعدة في دفعها وحالات الأشخاص الذين أرهقتهم الديون ومتطلبات الحياة. ولقد سمعت عن ذلك الرجل الذي ما إن دخلت العشر الأوائل من ذي الحجة حتى أخذ يبعث بالرسائل الصوتية المؤثرة والصادقة يطلب العفو والصفح ممن يعتقد أنه أخطأ في حقهم أو ممن بينه وبينهم خصومة، حتى تصالح مع الجميع، والمجتمع زاخر بأهل الخير والصلاح والأيادي البيضاء الذين يستغلون هذه الأيام في الإكثار من الصدقات.

في هذه الأيام المباركة ينبغي أن تصفو القلوب وتسمو الأرواح وترفرف السعادة على كل البيوت وأن تقترن العبادات دائمًا بالشعور بوجع الإنسان في كل مكان وزمان.