يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جدًا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات" ابن خلدون.
**********
قد يكون التنقل من حيثيات الحياة، ومن مفرحاتها، وكذلك من منغصاتها، ممرا عبر ممر، والتنقل هو ديدن الإنسان في طبيعة الحياة، وبالطبع هناك التنقل الإجباري بسبب ظروف معينة كالحروب أو الظروف البيئية أو الكوراث الطبيعية وغير ذلك مما شابه، وهناك التنقل من أجل حياة أفضل ببلاد أفضل من ناحية المعيشة وتوفر فرص كسب الرزق، أو من ينتقل للسكن بمنطقة أخرى بعيدة في نفس الدولة بسبب انتقاله من قسم إلى آخر في عمله، وهناك من يتنقل من أجل الدراسة، ثم يستقر في البلد المنتقل إليها، و بالطبع هناك التنقل بين منطقة ومنطقة داخل البلد نفسها في حالة الانتقال لسكن جديد مثلا، أو لأية ظروف متشابهة.
الظروف الإنسانية والحياتية لها دور كبير في التنقل، ولك أن تتصور عبور ملايين اللاجئين إلى أوروبا في عصرنا المعاصر في أكبر مسيرات لجوء شهدها العالم منذ عقود ولا شك أقصد عبور اللاجئين النازحين من أتون الحرب في سوريا إلى أوروبا وخاصة ألمانيا التي أصبحت بعض شوارعها وكأنك في دمشق أو حمص أو درعا.
قضايا اللاجئين لا يمكن الحديث عنها بمقال عابر أو حتى بكتاب، والأكيد أنها أكبر بكثير من مجرد الكتابة أو التوثيق، والحديث يطول حولها ولا يكفيها ولايوفيها حقها من الاهتمام، وحاليا يعيش السودان حربا داخلية نتيجة صراع على السلطة، وبعيدا عن الأسباب التي تحتاج كذلك أكبر من مقال وكتب وليس كتاباً علينا التفكر بحقيقة الديمقراطية والانتقال السلمي لها في دول تحكم بخلفيات ذات فكر عشائري، يفكر بكرسي القبيلة أو الفئة أو المكون الاجتماعي وبالطبع هذه الأمور هي أكبر كذبة تنطلي ومازالت تنطلي على الكثيرين، فالحقيقة أنه لا القبيلة ولا الفئة ولا المكون الاجتماعي لهم علاقة بالكرسي إلا بشكل هامشي بعيدا جدا عن الحقيقة، فالواقع أن الكرسي لصاحبه الجالس عليه فقط والبقية مجرد حطب يحترق من أجل إيجاد الكرسي للاحتفاظ به أو الدفاع عنه.
الفكر الذي يصارع الهواء من أجل الاحتفاظ بالكرسي لا تعتقد أنه سيكون وفقا للمواثيق والتعهدات؛ بل إن الميثاق والتعهد الأكيد هو ضمان احتفاظه بالكرسي وغالبا حتى شهقة الموت.
الدول المدارة وفق العقلية العشائرية لا يمكن أبدًا أن تتطور أو تتقدم خطوة، لأنها في وادٍ والتطور في وادٍ آخر، ولك أن تتصور كم دولة تقوم على أسس عشائرية وفئوية وتطورت، طبعًا ولا دولة، أكرر: ولا دولة.
أن تعتمد الدولة التطور لا يعني ذلك إنسلاخها عن المبادئ والثوابت الدينية، ولا يعني ذلك فتح الممرات للفوضى، إنما تقوم السياسة الداخلية وفق مبادئ توحِّد ولا تفرِّق، على أن تجمع الثقافات تحت مبدأ الوطن الواحد، الهوية الأصلية لها تقديرها لكنها تنصهر تحت الهوية العامة للدولة، وتكون الدولة فوق الجميع وظلًا للجميع، يشعر بها الفرد بالانتماء والولاء، وهذه الدولة توفر الأمن والأمان والمعيشة الكريمة للجميع وليس لمكون دون آخر، تحترم ثقافات المجتمع وتبلورها تحت مبدأ الوحدة الوطنية، وحماية الحريات العامة المضبوطة أخلاقيًا وقانونيًا، وقضاء نزيه وعادل، وسلطة سياسية تضع الجميع تحت مسطرة واحدة، والاهتمام بالعلم والاقتصاد والصحة والثقافة والفنون والفكر والرياضة، هذه الدولة التي ينشدها الجميع، ولعل أبرز نموذج حالي مقبول هو نموذج دول مجلس التعاون الخليجي، التي تمثل أنموذجًا للاستقرار بفضل الله الذي حباها بحكام وضعوا المصلحة العامة فوق أي شيء.
نعلم أنه لا كامل سوى سبحانه وتعالى، ونعلم يقينًا بكثير من السلبيات في دول المجلس لكنها رغم ذلك ما تزال هي الأفضل، وهناك جهود واضحة للتطور والتقدم للأمام في جميع دول المجلس، ومازال المشوار طويلا والوصول للقمة صعب والأصعب المحافظة عليه.
ومابين مقر ومقر ما تزال مسيرات اللاجئين من سوريا وصولًا للسودان، والله أعلم ما الذي سيحدث مستقبلًا. حمى الله بلادنا من كل شر وضر.