خطر الشائعات

 

حمد الحضرمي **

الشائعة ظاهرة اجتماعية قديمة بالغة الخطورة، وجدت في كل زمان ومكان، ولها خطورة مؤثرة على المجتمعات الآمنة، بسبب سرعة نقلها وسهولة انتشارها، وتأثيرها على الناس خصوصًا البسطاء منهم، وتزداد خطورتها وقت الأزمات والكوارث والحروب والثورات، لأن من آثارها: تضليل الرأي العام، وإثارة الفتنة بين الناس.

والشائعة كما عرفتها الدكتورة نبيلة الشرجبي: "هي عبارة عن معلومة أو خبر أو قصة كاذبة مزيفة أو مبالغ فيها؛ ولا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها، وتنتشر عن طريق الكلمة المنطوقة؛ وتكون بطريقة سرية أو شبه سرية، ويتداولها الناس بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار بين أفراد المجتمع". وعندما تتردد الشائعة بين فئات كبيرة من أفراد المجتمع ولو كانت في واقع الأمر كاذبة، إلا إنها تكون مصدقة مع استمرار تداولها لمدة من الزمن، وتصبح هي الحقيقة بعينها.

وتأخذ الشائعة طابع الخطورة عندما تتعلق بالمس بكرامة الشخص أو البلد المقصود، وفي الغالب تكون بدافع انتقام أو حسد أو كسب مادي للشخص أو للأشخاص المروجين لها، وقد تكون أيضًا على المستوى الرسمي، بحيث يراد منها جس نبض وقياس الرأي العام، ومعرفة ردود الفعل الشعبي، خاصة عندما يراد تمرير قرار اجتماعي مُعين، فهنا يكون نشر الشائعة عبارة عن استطلاع رأي يقصد المعنيون من بثها ونشرها وتداولها كشف طبيعة اتجاه الرأي العام، والتعرف على مواطن الخلل والقوة في بنيان وتماسك المجتمع. والشائعات كلمات قاتلة، تنتشر كالريح، وتشتعل كالنار، فكم دمرت من مجتمعات، وهدمت من أسر، وفرقت بين أحبة، وكم أحزنت من قلوب، وأورثت من حسرة، وأقلقت من أبرياء، وكم أشعلت نار الفتنة بين الأخلاء،  ونالت من علماء وعظماء، وكم تسببت في جرائم.

والشائعات أغلب بداياتها تكون بسيطة، ولكن حاقدًا يضخمها وينفخ فيها قنابل نفسية مميتة، تصيب أصحابها في مقتل. ألم تعلموا خبر ذاك الأب؟ الذي قتل ابنته والسبب شائعة، ألم تسمعوا خبر ذاك الزوج؟ الذي طلق زوجته ودمر بيته والسبب شائعة، ألم يصلكم نبأ الإخوة والأخوات الأشقاء؟ الذين كانوا يسكنون في بيت واحد ويأكلون من طبق واحد لسنوات طوال، ثم بين عشية وضحاها أصبحوا أعداء، يكره بعضهم البعض والسبب شائعة. إن الشائعة ضررها أشد وأكبر من القتل، فالشائعات من أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، وما يُؤكد ذلك قول الله تعالى في الآية "والفتنة أشد من القتل" وقوله تعالى في آية أخرى "والفتنة أكبر من القتل".

وبالشائعات طعن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أحب نسائه إليه- عائشة رضي الله عنها- وظل الناس شهرًا كاملًا يخوضون في قول أهل الإفك، وعائشة رضي الله عنها غافلة لا تدري بما يُقال خلفها، ولم تشعر بأي شيء سوى باختلاف معاملة رسول الله لها، وقد أوشك على طلاقها، لو لا أن برأها الله عز وجل فأنزل قوله تعالى "إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم ....".

إن الشائعات من أخطر ما يهدد الدول والأمم في وحدتها وقواها المعنوية والنفسية، ويتوجب مواجهتها بالعلم والخبرة بشكل فعال، لقطع جذورها من نفوس الناس، واقتلاع أثرها، لتبدو وكأنها لم تكن. والتصدي لظاهرة انتشار الشائعات في المجتمع، مسؤولية جماعية؛ أي أنها تقع على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع، من خلال تجنب ترديد الشائعة ونشرها بين الناس، وإبلاغ الجهات المسؤولة عنها فور سماعها، وذلك بهدف القضاء عليها في مهدها، وتهتم الدول والحكومات بمتابعة ورصد الشائعات للمحافظة على تماسك ووحدة ومتانة المجتمع، ورفع الروح المعنوية لأفرادها. إن مروج الشائعة عضو مسموم يسري سريان النار في الهشيم، يتلون كالحرباء، وينفث سمومه كالحية الرقطاء، ديدنه الإفساد، وسلوكه الشر، وعادته الخبث، لئيم الطبع، مريض النفس، منحرف التفكير، عديم المروءة والشهامة، يتقاطر خسة ودناءة، قد ترسب الغل في أحشائه، يسعى في الأرض بالفساد بين العباد وفي البلاد.

والشائعات أنواع منها: الشائعات التخويفية: والقصد منها التفريق والوقيعة بين الناس، وإحداث البلبلة والاضطراب في المجتمع، وشق الصف وضرب الوحدة، لئلا ينعم بالأمن والاستقرار، وذلك عن طريق ترويج الأضاليل والأخبار الكاذبة والملفقة، كما حدث في غزوة أحد، حينما أشاع المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قُتل، وقد نتج عن هذه الإشاعة فرار بعض الصحابة من أرض المعركة، وحدوث خلل في الصف والكلمة، لولا أن ثبت الله المؤمنين.

ومن أخطر أنواع الشائعات: شائعة التثبيط التي تفتر الهمم وتصيب النفوس باليأس والإحباط، ويعتمد مروجو هذه الشائعات على بث جزء من الحقيقة، ثم يلصقون بها الأكاذيب ويوظفون هذه الشائعات حسب ما يحلو لهم، وكذلك من الشائعات، شائعة الغلاء، وهو ما يروجه التجار ورجال الأعمال عن قرب ارتفاع سلعة معينة، أو نقص في بعض المواد، أو قرب نفاذها، وما إلى ذلك من هذه الأساليب التي يقصد منها الحصول على الأرباح الكبيرة، خاصة في أيام الأعياد والمناسبات الاجتماعية.

وهناك طرق لمكافحة الشائعات منها: قتل الشائعة بشائعة أكبر منها حجمًا وأشد أثرًا لدى الجمهور المستهدف، وكذلك تكذيب الشائعة إعلاميًا عن طريق نشر شائعة عكس الشائعة الأولى، ويمكن تكذيب الشائعات عن طريق المعلومات والحقائق والمنطق، وهذه أفضل الطرق في مكافحة الشائعة وكشف مصدرها والهدف من بثها، وهذا يتطلب أن تخاطب رأيا عاما واعيا متعلما مثقفا، أما الرأي العام غير الواعي فالأفضل مخاطبته عاطفيًا لمواجهة الشائعة، كما يتطلب الوضع لمكافحة الشائعات أحيانًا بإطلاق شائعات مضادة، وتكون إيجابية عن طريق الاتصال بأفراد محددين ذوي كفاءات محددة، لهم القدرة على الإسراع بنشر الشائعات المضادة. ومن أهم الأساليب لمقاومة الشائعات تعاون الجمهور في الإبلاغ عن الشائعات وعن الذين يروجونها، وتكاتف وسائل الإعلام من أجل عرض الحقائق في وقتها، ونشر الثقة وتنمية الوعي العام بين الجماهير، ويستدعي الأمر استمرار التوعية والإرشاد لتثبيت الإيمان والثقة بين القمة والقاع عن طريق الندوات والمحاضرات، مع تخصيص مركز للمعلومات والاستعلامات لمقاومة الشائعات، وعلى أفراد المجتمع الابتعاد قدر الإمكان عن الشائعات، مع العمل على تفحص الشائعات ودراستها، ثم وضع خطة مضادة لها تكون قادرة على احتوائها.

ويجب الحفاظ على النسيج الاجتماعي في الأمة، ووضع ميثاق شرف أخلاقي لكافة وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها، وسن الأنظمة الحازمة لردع كل من تسول له نفسه السير في هذا الطريق المشين وإيذاء الناس. وإنني أنصح أي جهة وأي شخص مشهور كان أو غير مشهور بالامتناع عن نشر الأخبار مجهولة المصدر، فهؤلاء للأسف الشديد البعض منهم يتسابق في نشر الشائعة من باب السبق الصحفي والشهرة والكسب المادي، وما علمت هذه الجهة الإعلامية أو ذاك الناشط المشهور وغيرهم، أن هذه الشائعة وهي كذبة قد بلغت الآفاق بأسبابهم، وقد صدقت وأثرت على الأفراد والمجتمعات.

وعلى الجميع أخذ الحيطة والحذر من كلمات أو أحداث بسيطة قد تحدث، ثم يتم إرسالها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما يتم إضافة الكثير إليها من الكلمات والعبارات والتي أغلبها افتراءات وشائعات الغاية منها شق عصا الطاعة، وبث روح الفرقة بين أفراد المجتمع. فلنحافظ على أمن بلادنا الحبيبة ومجتمعنا من كل إنسان عديم الإنسانية ناقل كلمات مزيفة، ونحفظ ألسنتنا من الشائعات والخوض فيها دون إثبات وبيان، لأن الشائعات والأكاذيب من أشد الرماح المسمومة الهالكة، التي تجنت على أبرياء، وأشعلت نار الفتنة بين الإخوة والأصدقاء، وتسببت في جرائم، وفككت علاقات وأواصر، وحطمت من حضارات وأمجاد، ولم يسلم منها أهل الصلاح ولا الأنبياء والرسل الكرام.

ويجب تنمية شعور الولاء للوطن لدى أفراد المجتمع لإيقاف الشائعات في حال وصولها لهم وعدم السماح بتداولها، لما لذلك من عواقب جسيمة على أمن واستقرار المجتمع والوطن، ويتطلب الوضع سن وتطبيق القوانين والأنظمة الرادعة لوقف انتشار الشائعات، إذ يجب أن تكون مُعاملة مطلقي الشائعات صارمة ووفق القانون ونصوصه، كما يتوجب رصد وجمع الشائعات من خلال مراكز رصد لها، حتى تتمكن الجهات المختصة والمعنية من القضاء على الشائعات في مهدها وفي الوقت المناسب حفاظًا على الوطن والمواطنين والمقيمين على أراضي بلادنا الحبيبة عُمان، ليعيش الجميع في أمن وأمان واستقرار وسلام.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك