التسويق للتفاهات

 

أحمد بن موسى البلوشي

مع ما يشهده العالم من تقدم تقني وتكنولوجي سريع ورهيب يحتاج لنا أن نصل إلى أعلى مراتب التقدم والتطور العلمي والفكري والحضاري والأخلاقي، ولكن وللأسف انتشرت العديد من الظواهر التي لم نعتد عليها في مجتمعاتنا مع هذا التقدم التكنولوجي، ومن ضمن هذه الظواهر صناعة التفاهات والسخافات من خلال بعض الأعمال والمقاطع والرسائل التي يتم نشرها وتداولها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فهذه الفئة من الناس هدفها نشر محتوى سيئ وغير مفيد من أجل تحقيق ما يرغبون به.  

ويستخدم مصطلح "التافهون" "لوصف الأشخاص الذين يتصفون بالتفاهة أو يتبعون أنماط حياة سطحية وغير هادفة، والذين يهتمون بالأمور السطحية بشكل مفرط دون الاهتمام بالقضايا الجادة أو التطور الشخصي". ويُعرف صناعة المحتوى أو إنشاء المحتوى على أنه "المساهمة في نشر معلومات في سياقات محددة، عن طريق وسائط الإعلام الرقمي، وذلك لفائدة ما؛ معنيّ بها الجمهور المستهدف، والمحتوى هو شيء يمكن التعبير عنه من خلال الفيديو أو الصوت أو الصورة أو الكتابة". ويشير مفهوم صناعة التفاهات إلى الترويج للمنتجات ذات القيمة الضعيفة أو المحتوى غير الهادف، والتي في غالب الأحيان تهدف لتسلية المتابعين من الجمهور دون أي قيمة أو فائدة حقيقية وملموسة، والتي قد تؤثر على التركيز والتطور الثقافي للأجيال القادمة، وتتسبب في خلق جيل يعتمد ويركز على التفاهة دون الاهتمام بالقضايا ذات القيمة، ومتابعة المحتوى المفيد.

لقد أصبحت هذه المحتويات التافهة والساخرة عديمة الفائدة بأنواعها المختلفة تجارة سهلة ومربحة للكثيرين، ومصدرا من مصادر الشهرة المزيفة، من خلال عمليات الإعجاب بها في مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرها والتعليق عليها، دون وعي وفهم الكثيرين من المتابعين بما قد تسببه هذه المحتويات من إساءة لهم ولمجتمعهم وثقافته، وأصبح صناع هذه المحتويات نموذجاً وقدوة للكثيرين من أبناء هذا الجيل لما يرونه من نجاح وانتشار لمحتوياتهم، بل يعتبره البعض منهم إحدى خطوات النجاح دون فهم ووعي لمضمون هذه المحتويات، وهذا يعني أننا ننتظر جيلاً قادماً يهتم بالتفاهة والسخرية ويصدقها، ويبتعد عن المحتويات المفيدة التي تنمي عقله وثقافته.

هذا وتساهم محتويات صناع التفاهات في الإساءة للمجتمع الذي ننتمي له بصورة غير مباشرة، وذلك من خلال نشر محتويات لا تتوافق وتتناسب مع ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا مع التربية التي تربينا عليها، ففي كثير من الأحيان تتضمن هذه المحتويات أساليب غير تربوية، وإيحاءات أخلاقية سيئة، والكثير من السلوكيات والتصرفات التي يرفضها المجتمع، ولغة غير لائقة.

في الختام.. نقول إنِّه يؤسفنا أن نرى الكثير من أبناء هذا الجيل يقومون بتقليد لصناع المحتويات التافهة؛ بل ويتفننون في طرحها والتسويق لها، مما يعني صناعة جيل تنعدم لديه الثقافة العامة، والقيم الأصيلة. وعليه يجب أن يقوم كلٌ بدوره في توجيه هذا الجيل وتعامله مع هذه السخافات والمحتويات غير المفيدة، فولي الأمر مطلوب منه المتابعة والجلوس مع أولاده وتوجيههم التوجيه الصحيح في هذا الموضوع، وكذلك المجتمع المدني له دور في ذلك من خلال تثقيف الشباب وتوعيتهم بإقامة الورش والأنشطة الهادفة في ذلك.

 


 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك