الصناديق السيادية.. كيانات استثمارية تبحث عن "ملاذات آمنة" وسط أمواج عاتية من الاضطرابات الاقتصادية

◄ 10 تريليونات دولار قيمة أصول صناديق الثروة السيادية حول العالم

◄ صندوق التقاعد الحكومي النرويجي الأول عالميا بإجمالي 1350.9 مليار دولار

◄ أمريكا أكبر سوق لصناديق الاستثمار في العالم بإجمالي 24 تريليون دولار 2020

◄ 33% نسبة 10 صناديق سيادية عربية بقائمة أكبر 100 صندوق في العالم

◄ الإمارات تمتلك 5 صناديق استثمارية بين العشرة الكبار عربيا

◄ صندوق جهاز أبو ظبي للاستثمار الأول عربيا والثالث عالميا بإجمالي 708.7 مليار دولار

◄ 400 مليار إجمالي أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي في 2021

الرؤية- سارة العبرية

تكشف آخر الإحصائيات عن أن صناديق الاستثمار حول العالم بلغت قيمة أصولها المدارة حوالي 10.47 تريليون دولار مقارنة بـ 10.30 تريليون دولار بنهاية العام 2022، ويأتي صندوق التقاعد الحكومي النرويجي في المرتبة الأولى كأكبر صندوق سيادي في العالم بأصول بلغت 1350.9 مليار دولار.

وتختلف أنواع صناديق الاستثمار وفقًا لطريقة الاستثمار والأصول المستهدفة، ومن بينها: "صناديق الأسهم" وهي أن يتم الاستثمار في الأسهم بهدف زيادة رأس المال والاستفادة من نمو الشركات، بالإضافة إلى "صناديق السندات" والتي تهدف إلى توفير دخل ثابت للمستثمرين عبر تجميع الفوائد والأرباح من السندات، وأيضا "صناديق السلع" مثل النفط والذهب والقمح وتهدف إلى الاستفادة من تقلبات أسعار السلع، وكذلك "صناديق العقارات" والتي تستثمر في العقارات التجارية أو السكنية لتحقيق عائد من تأجير الممتلكات أو زيادة قيمتها، و"صناديق الأرباح الموزعة" حيث توزع أرباح الاستثمار بشكل منتظم على المستثمرين وتعتمد على توزيع العائد من الأصول المستثمرة، أما "صناديق المؤشر" فتتبع مؤشرات السوق مثل مؤشر S&P 500، إضافة إلى "صناديق الخلط" والتي تجمع بين مجموعة متنوعة من الأصول المالية مثل الأسهم والسندات والسلع وتسعى للتوازن بين المخاطر والعوائد.

ويختلف حجم صناديق الاستثمار في العالم من دولة إلى أخرى حسب السوق المالي لكل دولة، وبحسب تقارير صادرة بنهاية 2021 تُعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق لصناديق الاستثمار في العالم بحسب تقرير صادر عن معهد صناديق الاستثمار المشترك (ICI)، إذ كان حجم الأصول المدارة في صناديق الاستثمار في الولايات المتحدة يتجاوز 24 تريليون دولار أمريكي في عام 2020.

وتعتبر اليابان واحدة من أكبر أسواق صناديق الاستثمار في آسيا، حسبما أشارت البيانات للجمعية اليابانية لصناديق الاستثمار، إذ بلغ حجم صناديق الاستثمار في اليابان حوالي 61 تريليون ين ياباني (554 مليار دولار أمريكي) في نهاية عام 2020، وتحتل المملكة المتحدة مكانًا بارزًا في سوق صناديق الاستثمار وفقًا لتقرير "The Investment Association"؛ حيث بلغ إجمالي الأصول المدارة في صناديق الاستثمار في المملكة المتحدة 1.3 تريليون جنيه إسترليني (1.8 تريليون دولار أمريكي) في نهاية عام 2020.

وتعتبر لوكسمبورج واحدة من أكبر مراكز صناديق الاستثمار في أوروبا، حسبما أفادت البيانات لـ"Association of the Luxembourg Fund Industry"، وكان حجم الأصول المدارة في صناديق الاستثمار في لوكسمبورج يتجاوز 5.7 تريليون يورو (6.4 تريليون دولار أمريكي) في نهاية عام 2020.

ميزات الصناديق الاستثمارية

توفر الصناديق الاستثمارية العديد من الميزات التي تجعلها خيارًا شائعًا للمستثمرين، ومنها التنويع التي تعتبر وسيلة فعّالة لتنويع محفظة الاستثمار؛ حيث يقوم صندوق الاستثمار بشراء مجموعة من الأصول المالية المتنوعة مثل الأسهم والسندات والسلع والعقارات، وبذلك يمكن تقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمار من خلال توزيع الأموال على عدة أصول، ويدير صندوق الاستثمار فريق من المحترفين والمديرين الماليين ذوي الخبرة في صناعة الاستثمار، ويتولون عملية اتخاذ القرارات المالية وإدارة المحفظة بناءً على تحليلات ودراسات السوق والاقتصاد، وهذا يسمح للمستثمرين بالاستفادة من خبرة المحترفين دون الحاجة لاتخاذ القرارات بشكل فردي.

كما توفر الصناديق الاستثمارية سيولة عالية للمستثمرين بحيث يمكنهم بيع وحداتهم في الصندوق وسحب أموالهم بسهولة وسرعة، وهذا يعني أن المستثمرين لديهم قدرة على تحويل استثماراتهم إلى نقد بسرعة إذا لزم الأمر، بالإضافة إلى توفير توزيعات نقدية من العائدات التي تحققها المحفظة، فيمكن للمستثمرين الاستفادة من هذه التوزيعات كإيراد إضافي أو إعادة استثمارها في الصندوق لزيادة رأس المال، وأيضا يتم إدارة المحفظة الاستثمارية بشكل متواصل من قبل فريق المحترفين، مما يعني أن المستثمر ليس بحاجة إلى مراقبة الأسواق بشكل مستمر.

ويعتمد المديرون الماليون على تحليل البيانات والمعلومات الاقتصادية والمالية لاتخاذ القرارات الأمثل بشأن إدارة المحفظة والحد الأدنى للاستثمار، فبالنسبة للمستثمرين ذوي الأموال المحدودة فقد توفر الصناديق الاستثمارية لهم فرصة للاستثمار في أصول متنوعة بمبلغ استثمار أدنى مقارنة بشراء هذه الأصول بشكل فردي.

صناديق الخليج

تلعب صناديق الاستثمار في دول الخليج العربي دورًا هامًا في تنمية الأسواق المالية وتعزيز الاستثمار في المنطقة، وفي عام 2021 كانت المملكة العربية السعودية الدولة الخليجية التي تمتلك أكبر صندوق استثماري في العالم العربي وهو صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو صندوق سيادي يتبع الحكومة السعودية تم إنشاؤه عام 1971 لتحفيز التنمية الاقتصادية والاستثمار في القطاعات الحيوية في المملكة العربية السعودية.

ومنذ ذلك الحين، نما حجم الصندوق بشكل كبير وتوسعت نطاق استثماراته، ووفقًا للإحصائيات حتى سبتمبر 2021، كانت تقديرات حجم صندوق الاستثمارات العامة السعودي تتراوح بين 430 إلى 400 مليار دولار أمريكي، وتوجه الصندوق للاستثمار في مختلف القطاعات الوطنية والدولية مثل الطاقة والتكنولوجيا والترفيه والعقارات والقطاع المالي وغيرها، ويركز صندوق الاستثمارات العامة على تنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية وتعزيز التحول الاقتصادي وتحقيق رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المستدامة.

وفي عام 2022، سيطرت صناديق الثروة السيادية في الإمارات على قائمة أكبر 10 صناديق ثروة سيادية عربية بنصيب 44.3% من إجمالي الأصول المدارة، وحصلت فوربس الشرق الأوسط على أحدث بيانات الأصول المدارة التابعة لأكبر 10 صناديق ثروة سيادية عربية من معهد صناديق الثروة السيادية SWFI، وتصدّر جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA) الترتيب بأصول بلغت قيمتها 708.75 مليار دولار، وجاء في المركز الثالث عالميًا.

وحلت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (KIA) في مركز الوصيف عربيًا مع وصول إجمالي أصولها المدارة إلى 708.4 مليار دولار، لتأتي في الترتيب الرابع بين أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، يليها صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) في المركز الثالث بأصول مدارة تبلغ 607.4 مليار دولار تضعه في الترتيب السادس عالميًا.

وجاء جهاز قطر للاستثمار (QIA) في المركز الرابع بأصول بلغت 461 مليار دولار، ما مكّنه من اقتناص المركز التاسع عالميًا، تليه مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية (ICD) بأصول 299.6 مليار دولار، ثم شركة مبادلة للاستثمار (مبادلة) بأصول مدارة 284.5 مليار دولار، والقابضة ADQ بـ 102 مليار دولار.

وأتى جهاز الإمارات للاستثمار (EIA) في المركز السابع بين أكبر صناديق الثروة السيادية العربية بأصول مدارة 87 مليار دولار، تليه المؤسسة الليبية للاستثمار، إذ بلغ حجم أصولها المدارة 67 مليار دولار، وجاءت شركة ممتلكات البحرين القابضة (ممتلكات) في المرتبة العاشرة بأصولها البالغة 18.3 مليار دولار.

سيطرة إماراتية

وسيطرت صناديق الثروة السيادية في الإمارات العربية المتحدة، البالغ عددها 5 صناديق بين العشرة الكبار على القائمة بأصول مدارة بلغت 1.48 تريليون دولار، أو 44.3% من إجمالي أصول الصناديق الـ 10 الكبار في المنطقة التي تبلغ قيمة أصولها المدارة مجتمعة 3.3 تريليون دولار.

كما سجلت أصول أكبر 10 صناديق ثروة سيادية عربية 33% من إجمالي الأصول المدارة لأكبر 100 صندوق ثروة في العالم، التي تتعدى قيمتها 10 تريليونات دولار.

وتوجد 6 صناديق ثروة سيادية عربية أخرى لم تتمكن من اقتناص مراكز لها ضمن العشرة الكبار، هي جهاز الاستثمار العماني والصندوق السيادي المصري والشارقة لإدارة الأصول الإماراتي وصندوق الاستثمار الفلسطيني وصندوق احتياطي الأجيال القادمة البحريني والفجيرة القابضة على الترتيب.

وجذب الصندوق السيادي المصري البالغة أصوله المدارة 11.9 مليار دولار، استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السيادية العربية الرئيسية خلال عام 2022 بحسب بيانات رئاسة مجلس الوزراء المصري، وفي أبريل 2022 أكملت القابضة ADQ صفقات استحواذ لخمس شركات في مصر بقيمة إجمالية 1.8  مليار دولار. كما أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الشركة السعودية المصرية للاستثمار (SEIC) في شهر أغسطس من عام 2022 للاستثمار في السوق المصرية.

على الرغم من ذلك، هناك بعض المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية ومن بينها: مخاطر تقلبات الأسواق، إذ تتأثر صناديق الاستثمار بتقلبات الأسواق المالية أو بتغيرات أسعار الأصول المالية الموجودة في المحفظة، مثل الأسهم والسندات والسلع، وتعتبر هذه المخاطر طبيعية في بيئة الاستثمار ويجب أن يكون المستثمرون على استعداد لخسارة جزء من رأس المال المستثمر في حال وجود أي تقلبات في الأسواق.

ومن المخاطر أيضًا، مخاطر الأداء إذ قد يحقق الصندوق أداءً أقل من المؤشرات السوقية أو من صناديق استثمارية أخرى، ويمكن أن تكون هناك أسباب مختلفة لضعف الأداء مثل استراتيجية الاستثمار غير الناجحة أو تحليل السوق غير الدقيق أو أحوال اقتصادية سيئة، ولذلك يجب على المستثمرين دراسة أداء الصناديق المحتملة قبل اتخاذ قرار الاستثمار، كما أنه من بين المخاطر أيضا تأتي مشكلة السيولة إذ ربما يواجه المستثمرون صعوبة في بيع وحدات صناديق الاستثمار في حالة الطلبات الكبيرة للبيع في وقت واحد، ويعتمد هذا على سيولة الأصول المالية الموجودة في المحفظة، وفي حالة عدم وجود سيولة كافية قد يتعذر على المستثمرين سحب أموالهم بسرعة وقد يتم تطبيق رسوم إعادة الاستثمار المبكرة.

ومن بين المخاطر أيضا، مخاطر إدارة الصندوق، بمعنى أنه قد يحدث تغيير في فريق إدارة الصندوق الذي يمكن أن يؤثر على أداء الصندوق، ويكون للمدراء الماليين والمحللين الذين يتولون إدارة الصندوق تأثير كبير على القرارات الاستثمارية والأداء النهائي للصندوق، ناهيك عن مخاطر التضخم بحيث قد لا تكون عائدات الصناديق الاستثمارية كافية لمواجهة التضخم بشكل كامل، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقليل قوة الشراء للمستثمرين على المدى الطويل.

وقت الاستثمار

ويعتمد أفضل وقت للاستثمار في هذه الصناديق على عدة عوامل منها: أهداف الاستثمار الخاصة والمدة الزمنية التي يرغب المستثمر في الاستثمار فيها، ولذلك ينصح الخبراء بالاستثمار على المدى الطويل، لأن صناديق الاستثمار تعتبر عادة أدوات استثمار طويلة الأجل.

وإذا كان لدى المستثمر هدف استثماري طويل الأمد مثل التقاعد أو تعليم الأطفال، فمن المفضل البدء في الاستثمار في وقت مبكر بتوزيع الاستثمار على مدار سنوات عديدة، ويمكن الاستفادة من تقلبات السوق على المدى الطويل وزيادة فرص تحقيق عوائد جيدة.

إن محاولة التنبؤ بتحركات السوق وشراء أو بيع في الأوقات المثلى، قد يكون أمرا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر، وبدلاً من ذلك يُنصح بتبني استراتيجية الاستثمار التدريجي (Dollar-Cost Averaging)؛ حيث يتم شراء وحدات الصندوق بشكل منتظم عبر فترة زمنية طويلة، مما يسمح لك بتقليل تأثير تقلبات السوق.

وإذا كانت الفجوة الزمنية للاستثمار قصيرة المدى مثل سنة واحدة أو أقل، قد تكون صناديق الاستثمار غير المتقلبة مثل صناديق السندات أو السيولة المالية هي الأكثر مناسبة، أما إذا كانت طويلة المدى 5 سنوات أو أكثر فيمكن النظر في الاستثمار في صناديق الأسهم لتحقيق عائدات أعلى على المدى الطويل.

ومن الضروري تقييم الظروف الاقتصادية والسوقية، لأنه من الممكن أن تؤثر الظروف الاقتصادية والسوقية الحالية على أداء صناديق الاستثمار، وقبل الاستثمار يجب مراجعة البيانات الاقتصادية وتحليلات السوق وتقدير الاتجاهات المتوقعة للمستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك