"هنا السلطنة"

 

فاطمة الحارثية

هنا.. هـ: هناء، ن: الناس، أ: أجمعين.. والمجال مفتوح لإثراء أعمق، والقول لن ينتهي إن عددت ترجمات "هنا السلطنة". والقصد رسم عبق التجربة لزوار السلطنة، سواء للسائح أو المستثمر أو حتى عابر السبيل، لن يكون حديثنا اليوم عن جنان عمان ومناخها الاستثنائي وطبيعتها الغناء، فقد تغنى الجميع بها عبر التاريخ وإلى قيام الساعة لن يتوقف وصف أو تجسيد جمالها وكرم أهلها.  

على البسطة، من لديه المال يقول لا أفكار، ومن لديه الأفكار يقول لا مال، والجديد الآن يوجد المال وتوجد الفكرة لكن لا يوجد المنفذ، فهل لنا أن نكف عن الأعذار والتعذر، المشكلة تكمن في الشك والنفس فأصلحوا ذات البين، وامسكوا عنكم شهوة التفاخر والكبر، فالحكمة ليست فقط في توليد الفكرة، ولا بالقدرة على تمويلها، بل بالعمل على تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع وعموم فائدتها، وهذا مجهود وعمل جماعي، والأكثر أهمية نفع الابتكار والإبداع للناس؛ فالعمل يبدأ بفكرة، ثم جهد وبذل، ثم تجسيد على أرض الواقع، لينفع الناس ويُحافظ عليه ليُسعد به من هم بعدهم، أي تكامل الجهود بشكل مستمر. يجب نبذ صوت الأنانية والاحتكار، فعُمان للجميع والجميع لها، علينا احترام الأفكار والإبداع وليس الاشتغال بتوافه مثل الانتساب لها، أو رفضها لأنها من فلان أو الاحتفاظ بها والكبر بأن يُمولها فلان، علينا نبذ تلك الصغائر من أجل ما هو أكبر وأشمل وأوسع.

دعوتي ليست جديدة عليكم، فأنا دائمًا أدعو إلى فك القيود ووحدة الجهد، لنستمتع بالزرع وتحقيق أرباح سريعة تبهجنا وأخرى طويلة تأتي ثمارا لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا، وعلينا انتقاء وتعزيز من لديهم هذه النظرة وهذا البعد الاستشرافي، لأنهم يترجمون مفهوم الاستدامة ويجسدونه، فالاستدامة ليست كلمة رنانة توضع عند المقال للتشدق بالقول،  بل جهد وعمل، وبحث وقراءة وتجارب؛ والحوكمة تمثل التنظيم بمفهومه الواسع، وهذا يوضح لنا أين نحن والزمن الذي قد يستغرقنا لبلوغ أهدافنا، وكيف نستطيع أن نواكب وتيرة التسارع والتعاقب بين الأجيال، والاقتصاد مع الاحتفاظ والحافظ على هويتنا ورؤيتنا.

التجارب العالمية كثيرة حتى بات الإبداع مستحيلا وتوكأ الكثيرون على الابتكار، وأقول إن استمرار المسيرة هو الأهم والاختلاف قد يكون في مذاق التجربة وتميزها، وعند تبني تجارب مشابهة من الجوار -رغم أنني لا أحبذ ذلك- وجب على العاملين على الموضوع تعلم فجوات تلك التجارب، حتى يأتوا بالجيد عن فكر واثق واضح المسير، وأن لا تكون تقليدا أعمى يُرهق اقتصادنا ويستهلك ويهدر الطاقات.

لدينا المتاحف وهي معروفة دوليا وفي كل العالم، مضمونها إبقاء الذكريات وحفظ التاريخ، وفي اعتقادي هذا ليس حكرا للماضي فقط، فالمتحف لغويا، هو المكان الذي يتم فيه تجميع الأشياء النادرة والثمينة، بالتالي من الممكن أن نمتلك متحفًا للحاضر ومتحفًا للمستقبل، الحاضر لقيد الأحوال الحالية والمنجزات الثمينة، ومتحف المستقبل حيث صناعة وتجسيد رؤية عمان بعد 2040 كتجسيد حي للغد، أو قد يكون مركزا استثنائيا؛ وهذه تجربة خاصة لكل مجتهد اليوم ومستثمر للغد، حيث تشكل له المتاحف تجربة ثرية وبيان تفتح له آفاق مجالات العمل والفرص الوفيرة التي تتميز بها السلطنة، ويستطيع الزائر لمتحف مستقبل عمان أن يُبلور فكرته بالطرق التي تثري جميع الأطراف، فيكون لدينا متحف الحاضر ومتحف المستقبل، نقيد فيه الحاضر الثمين مثل المدن الاستثمارية ومجالات إثرائها، وغيرها من المشاريع الحاضرة، ليستطيع المستثمر أن يتصور كيف وأين يضيف استثماره في مثل هذه المشاريع؛ ومتحف المستقبل حيث الحاضر يمهد له ليحول الحلم إلى واقع، ويصنع عوائد طويلة المدى في مجالات الذكاء الصناعي والفضاء.  

يأتي الزائر ليعيش الطبيعة ونقائها في منظومة تكنولوجية ذكية ونظيفة على أرض السلطنة، ليرى من خلال متاحفنا، كيف نُبقي على نقاء أرضنا ونحن نتمتع بكل سُبل وإمكانيات التكنولوجيا والذكاء الصناعي، حيث الحلم نحو التمتع بجمال صناعي ذكي ومتوازن.

الأحلام كثيرة، لكن التحدي في تجسيدها، وتحويلها إلى حيز الانتفاع منها، والتحدي الأكبر تفاوت استيعاب وفهم الحلم أثناء حمله وسرده للآخرين، وهنا تأتي أهمية تقريب وجهات النظر، وقبول الآخرين وسعة الصدر.

سمو...

العلم عزيمة وثقة والعمل الجماعي قوة، وعلينا حُسن استخدام ما منحنا إياه ربنا، وأن نزهو بنعم الله علينا بالفعل قبل القول، وبمبادئنا وقيمنا نبعد عن مغريات الهجين والفرقة، تقدم وحاول ولا تستلم عند أول "لا".

هناء الناس أجمعين، هنا السلطنة.