أعاصير المحيط الهندي

عُمان من الدول المتأثرة بالتغير المناخي وارتفاع درجة حرارة المحيطات

الجهود الوطنية لمواجهة الاحتباس الحراري محل إشادة عالمية

عُمان اكتسبت خبرات تراكمية في التعامل مع الأنواء المناخية

حاتم الطائي

الجميع يترقب منذ أيام مُستجدات الحالة المدارية في بحر العرب، والتي أعلنت الأرصاد العُمانية أنها إعصار من الدرجة الثانية لا يُشكّل أي تأثير مُباشر على أجواء السلطنة، وهذا كُله يضعنا أمام عدة نقاط أساسية ينبغي تفنيدها وتسليط الضوء عليها.

لقد بات جليًا بما لا يدع مجالًا للشك، أن وطننا العزيز عُمان أصبح من الدول المعرضة لهبوب أعاصير عليها؛ بل من أكثر الدول عرضة للتغير المناخي، وهذا هو الوصف الأكثر دقة من وجهة نظري؛ إذ إن ساحل عُمان الممتد من مسندم شمالًا إلى ظفار جنوبًا يُطل على المحيط الهندي، فيما يُعرف ببحر عُمان شمالًا، وبحر العرب في الوسط والجنوب، وهذه المياه المحيطية المفتوحة كما تجلب لنا خيرات البحر ولآلئه، قد تُسبب لنا أنواءً مناخية تتفاوت حدتها وقوتها حسب الظروف والمعطيات المناخية. فقبل عقود مضت وربما قرون، كانت عُمان تتعرض لأنواء مناخية، منها ما رصده المؤرخون في كُتُبهم، ومنها ما خلد في ذاكرة النَّاس وتناقلوه. لكن المؤكد أن شدة الأعاصير وتكرارها خلال العقود القليلة الماضية، لم تكن كما كانت عليه سابقًا، ولنا في أعاصير "جونو" و"مكونو" و"فيت" و"شاهين" خير دليل، وهي أعاصير ضربت السواحل العمانية مباشرة سواء في الجنوب أو الوسط أو الشمال، وألحقت أضرارًا وخسائر فادحة في الممتلكات العامة والخاصة، فضلًا عن الخسائر في الأرواح؛ حيث لقي العشرات مصرعهم في هذه الأعاصير، ويكفي أن إعصار جونو لوحده أودى بحياة 50 شخصًا على الأقل.

ولذلك عندما نقول إن عُمان من بين الدول المتأثرة بالتغير المناخي، فإننا نشير إلى تداعيات ارتفاع درجة حرارة المحيطات وعملية التبخر التي تنتج عن ذلك؛ الأمر الذي يُحدث تفاعلات في طبقات الجو العليا، فتتشكل الحالات المناخية، والتي ربما تتطور إلى عواصف وأعاصير تضرب السواحل.

وإلى جانب العواصف والأعاصير المدارية، يتسبب التغير المناخي الناتج عن الاحتباس الحراري، في زيادة المنخفضات الجوية، أو ما شابهها، وحتى الارتفاع الشديد غير المُعتاد في درجات الحرارة خلال الصيف لمستويات قد تصل إلى 54 درجة مئوية، وكذلك الانخفاض الحاد في درجات الحرارة خلال الشتاء، وسقوط حبات البرد، والثلوج، فقد أصبحنا نشاهد الثلوج البيضاء تغطي مناطق واسعة، ليس فقط في عُمان وإنما في أنحاء متفرقة من الجزيرة العربية، لم يكن من المعتاد أن تشهد تساقطًا للثلوج. فما من شك أن التغير المناخي بات أحد أكبر التحديات التي تُواجهها البشرية، وأن أية جهود تبذلها الحكومات والمنظمات المتخصصة من أجل تعزيز الوعي بضرورة العمل المشترك من أجل الحد من الاحتباس الحراري ومواجهة التغير المناخي، يجب أن تحظى بالدعم المطلوب من كل حكومات العالم، لا سيما الدول الصناعية الكبرى المسؤولة مسؤولية مباشرة عن جزء كبير من ظاهرة الاحتباس الحراري.

سلطنة عُمان أدركت هذا التحدي مبكرًا، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية للانتقال المُنظَّم إلى خطة الحياد الصفري، علاوة على تنفيذ خطة لتحول الطاقة وإزالة الكربون باستثمارات تزيد على 190 مليار دولار بحلول عام 2050، وهو العام الذي تستهدف فيه عُمان الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، وإلى جانب ما سبق دشنت عُمان السياسة الوطنية البيئية للطاقة. كل هذه الجهود الحثيثة، والتي تنسجم تمامًا مع أهداف رؤيتنا المستقبلية "عُمان 2040"، تبرهن على ما تبذله حكومتنا الرشيدة من خطوات وما تتخذه من إجراءات من أجل الإسهام في إعادة الانضباط إلى المناخ العالمي، والوصول للهدف العالمي لتقليل الاحتباس الحراري إلى مستويات أقل من درجتين مئويتين، والسعي إلى "منع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة" حسب أهداف الأمم المتحدة.

النقطة الأخرى التي يجب تسليط الضوء عليها، هي ما اكتسبته عُمان من خبرات تراكمية في التعامل مع الأنواء المناخية، لا سيما بعد إعصار جونو الذي يعد الأعنف في عُمان. هذه الخبرات ما كانت لتتشكل لولا الحرص على الاستفادة من الأنواء المناخية، واستخلاص الدروس، وتطوير الممارسات. ولقد مرت مؤسسات الدولة المعنية بعدة مراحل كي تصل إلى ما هي عليه الآن من تطوّر وقدرة على التعامل مع مختلف السيناريوهات؛ سواء من حيث سن التشريعات اللازمة، أو إنشاء الهيئات واستحداث لجان أو مراكز متخصصة (مثل المركز الوطني للإنذار المُبكر من المخاطر المتعددة)، أو من خلال تزويد الجهات المختصة بما تحتاج إليه من تقنيات وأدوات لتحسين مستوى توقعات الأرصاد، علاوة على رفد هذه الجهات بالكفاءات الوطنية المُحترفة.

ولقد أحسنت هذه الجهات وفي مقدمتها هيئة الطيران المدني ممثلة في المديرية العامة للأرصاد الجوية والمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة، في مخاطبة الرأي العام خلال الأنواء المناخية وحالات الطقس غير المستقر، من خلال تزويد المجتمع بالمعلومات الدقيقة والتوقعات المحتملة، وتبصير الناس بالحقائق دون مبالغة أو تهوين. هذا إلى جانب دور شرطة عُمان السلطانية في تعزيز الأمن وتنظيم حركة المرور لا سيما في الطرق التي تتعرض لانقطاعات بسبب جريان الأودية. وكذلك هيئة الدفاع المدني والإسعاف التي تبذل جهودًا كبيرة للغاية في التعامل مع مختلف البلاغات خلال الأنواء المناخية وتقلبات الطقس. ولا ننسى أبدًا الدور الوطني المشهود لقوات السلطان المسلحة، والتي كانت لها بصمة واضحة لا تخطئها عين خلال ما تعرضت له عمان من أعاصير وحالات مدارية، برهنت على أنها بالفعل الحصن المنيع والحامي العتيد لمنجزات مسيرتنا الوطنية على امتدادها في كل الأزمنة.

وثمة نقطة إضافية أودُ التطرق إليها، وهي دور المواطن في مثل هذه الأنواء المناخية، وهنا أتحدث عن درجة الوعي بالمخاطر المحتملة التي قد تنتج عن هكذا حالات وأنواء، والحقيقة أن أغلب المواطنين يتقيدون بالضوابط ويتخذون ما يلزم من احتياطات، لكن هذا لا يمنع أن نجد من يُعرض حياته للخطر من أجل التقاط صورة أو الاستعراض بمركبته أو خوض مُغامرة خاسرة. لذلك المطلوب دائمًا وأبدًا أن يتحلى الجميع- بلا استثناء- بالمسؤولية، من خلال الالتزام بما تُصدره الجهات المختصة من تنبيهات وتحذيرات؛ لأنَّ كل مواطن في هذه الأرض الطيبة عزيز، وفقدانه مؤلم.

ويبقى القول.. إنَّ ما تتعرض له عُمان والكثير من دول العالم من تقلبات في الطقس وأنواء مناخية متزايدة عمَّا كان سابقًا، مرده بصورة قاطعة إلى الاحتباس الحراري، وهو ما أكدت عليه الدراسات والبحوث العلمية الدقيقة؛ الأمر الذي يفرض على دول العالم الإسراع نحو الحد من الاحتباسات الحرارية الناتجة عن الانبعثات الكربونية، والوصول إلى الحياد الصفري الكربوني، كي تعود الطبيعة إلى سابق عهدها، وتستقر أحوال الطقس والمناخ، وتتجنب البشرية كوارث طبيعية مُحتملة أشد فتكًا مما هي عليه الآن، إذا لم تحقق الهدف المطلوب.