5 يونيو.. خسارة معركة لا حرب

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

في الخامس من يونيو (حزيران) من عام 1967م، شنَّ الكيان الصهيوني عملية عسكرية واسعة ومُباغتة على القوات المصرية في سيناء، وكذلك على الجولان السوري والضفة الغربية بفلسطين المُحتلة، وكانت نتيجتها احتلال كامل صحراء سيناء والجولان والضفة الغربية من فلسطين المحتلة.

الذي نفذ هذه العملية ظاهريًا هو الكيان الصهيوني، ولكن من قام بهذه العملية في الحقيقة هم ثُلة من النافذين على الصعيدين الدولي والإقليمي؛ حيث لا يمكن للكيان الصهيوني- بالعقل والمنطق- أن يتجرأ على الإخلال بقواعد الصراع ويقوم بعملية بهذا الحجم والخطورة دون مشاورة ومباركة وتخطيط ودعم من قوى دولية وإقليمية؛ فالصراع العربي الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود أولًا، ووجود الكيان وغرسه في قلب الأمة كان- وما زال- بمباركة دولية من المعسكرين الغربي والشرقي وبتواطؤ إقليمي كذلك. النتائج التدريجية اللاحقة والمترتبة على هزيمة معركة الخامس من يونيو (حزيران) تتحدث بجلاء اليوم عن الشركاء والداعمين والمباركين، بدءًا من سحب القوات المصرية من اليمن، وانتهاءً باتفاقية كامب ديفيد مع العدو عام 1979م لاستعادة صحراء سيناء، مرورًا بحل الدولتين وقبول واقع ما قبل الرابع من يونيو (حزيران) 1967م؛ كورقة سلام ومساومة للعرب والفلسطينيين. وهذا يُدلل على أن الخامس من يونيو (حزيران) لم تكن معركة عسكرية فحسب؛ بل مؤامرة دولية وإقليمية لإعادة هندسة الصراع العربي مع الغرب عبر الكيان المزروع، وكسب المزيد من الأوراق السياسية في المنطقة، وهذا ما لا يُمكن للكيان الصهيوني توفيره دون غطاء ودعم دولي وإقليمي.

الكيان الصهيوني كان مجرد أداة على مسرح الخامس من يونيو (حزيران)، أما اللاعبون الأساسيون فهم: أمريكا وإنجلترا وفرنسا بثأراتهم التاريخية مع "مصر عبدالناصر" والأمة العربية جمعاء، ولم تتخلف روسيا حينها والممثلة في الاتحاد السوفييتي عن الركب في إقرار أهمية توجيه ضربة مباغتة لمصر لتحجيم جيشها ومن ثم دورها الإقليمي والدولي، على اعتبار أن الاتحاد السوفييتي كانت نظرته للصراع في الشرق الأوسط من قناعة ضرورة تساوي القوى في المنطقة كعامل رئيس لاستقرارها.

لم تغفل أمريكا خطر تعاظم قوة الجيش المصري المدعوم بإرادة الزعيم جمال عبدالناصر السياسية لدعم قضية فلسطين وحركات التحرر في الوطن العربي والعالم، كما لم تنس إنجلترا طردها المُذل من مصر عبر اتفاقية الجلاء عام 1954م، وتأميم بقرتها الحلوب "قناة السويس" وعودتها إلى السيادة المصرية، كما لم تنس فرنسا دعم مصر السخي للثورة الجزائرية وما شكّله على أرض المعركة من تغيير واضح لصالح كفّة الثوار، كما لم تنس تركيا دور جمال عبدالناصر في دعم سوريا وحماية وحدة ترابها عبر الوحدة عام 1958م، بعد إن كانت حلب ضمن مشروع "عدنان مندريس" لابتلاع المزيد من أراضي سوريا بالقوة بعد لواء الإسكندرون. كما لم ينس الغرب الدور الزعامي لجمال عبدالناصر في الوطن العربي والعالم والذي جعله مرجعًا وقدوة تهدد مصالح الغرب ومرجعيته.

لم يستوعب الغرب قيام الزعيم ناصر بتأميم قناة السويس كمرفق سيادي لمصر وممول سخي لأعظم مشروع مائي في القرن العشرين وهو السد العالي ودوره في نهضة مصر الزراعية وأمنها القومي الغذائي والمائي والصناعي عبر إنتاج الطاقة الكهرومائية. كما لم يهضم الغرب وجود مرجعية عربية وزعامة للعرب تغنيهم عن الغرب وتحل مشاكلهم وتوحِّد كلمتهم وتسُد باب الذرائع التي يتسلل منها الخصوم لإنهاك الأمة واستنزافها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تهديد عبدالكريم قاسم للكويت عام 1961، مقارنة مع فاجعة احتلال الكويت عام 1990، وتداعياته لغاية اليوم.

باختصار نقول إن معركة الخامس من يونيو (حزيران) 1967، كانت ضرورة قصوى للغرب للثأر من الأمة العربية عبر رمزها وزعيمها جمال عبدالناصر، والنيل من دور مصر ومكانتها في الأمة العربية والعالم والتي وصفها رئيس وزراء بريطانيا الأسبق هارولد ماكميلان بالقوة: "لقد شجع عبدالناصر "الصغار" على التجاسر علينا".

إنَّ الخامس من يونيو (حزيران) معركة خسرها العرب في سلسلة حروب، وإن جعل المتأسلمون- كتخصص تاريخي لهم- منها بُكائية للشماتة، وأمعنوا في استخدام أوصاف مثل النكبة والنكسة لتكريسها كهزيمة تاريخية للناصرية والمشروع العربي الوحدوي خدمة لأسيادهم، وها هم اليوم يصفون الإرهابيين والمخربين بالثوار، ويصفون المناضلين والوطنيين بالطغاة وأنصار الطغاة.

قبل اللقاء.. حجم المؤامرات على مصر وزعيمها جمال عبدالناصر يُدلل على مكانة الزعيم عربيًا ودوليًا، وعمق تأثير تجربته وخطورة مشروعه على الغرب ومصالحه.

وبالشكر تدوم النعم.