العرب والحضارات المنسية

 

د. أحمد العمري

إننا خير أمة أخرجت للناس، وهذا كلام من القرآن العظيم؛ أصدق الدساتير وأعظمها وأنبلها، وهي رسالة إلهية من رب العزة لا تتغير ولا تتبدل ولا تتحول، ثابتة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بينما الدساتير الوضعية من صنع البشر تتغير بين الفينة والأخرى وتتبدل كلما اقتضت الحاجة.

لقد أراد رب العزة أن يكون منشأ الإسلام من مكة المكرمة، مسقط رأس سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله يأتي العلم الحديث ليثبت أنَّ مكة هي مركز الكرة الأرضية وبوصلتها وبالضبط من حيث الشمال إلى الجنوب وكذلك من الشرق للغرب.

إننا كعرب لدينا حضارات تليدة يشهد لها العالم إلى يوم الدين، لدينا حضارات سامية سمو السماء بعلاها وخالدة خلود التاريخ؛ فلدينا الحضارة المصرية حضارة النيل الضاربة في جذور التاريخ، ولدينا حضارة بابل والرافدين، ولدينا حضارة مجان العريقة، والكثير غيرها من الحضارات.

والحضاره الإسلامية الشاملة التي ترسم الخطوات الجادة والسليمة في الدنيا والآخرة، كما صدرنا علماء أفذاذ إلى العالم مثل الخوارزمي وجابر بن حيان وابن خلدون وغيرهم الكثير الذين قد لا يتسع المجال لذكرهم وإحصائهم.

ولكن للأسف ماذا حصل، بعد ما صدرنا لهم علمنا وعلومنا وعلماءنا، ها هم يستغلون الفرصة ويضيفون لها بعض الرتوش أو ما يسمى التكنولوجيا الحديثة ليرجعوا يصدرونها لنا، لكن باشتراطاتهم وشروطهم التي تبدأ ولا تنتهي لأنهم أحسوا وعرفوا فينا الخضوع والخنوع وقد اشتغلوا على هذه الفكرة واستغلوها أفضل استغلال.

فتدخلوا في حياتنا عرضًا وطولًا وحددوا لنا ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نلبس وكيف نفكر وبماذا نفكر ونهتم؛ بل تجاوزوا ذلك إلى المعتقدات لأنهم وجدوا الطريق سهلًا وميسرًا وبدون أي تعقيد أو مقاومه أو نفور أو اعتراض أو  حتى مقاومة. فقالوا يجب عليكم أن تغيروا التربية الإسلامية إلى الثقافة الإسلامية والتربية الوطنية إلى علم الاجتماع.

ثم أتونا بضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، وهذه في حد ذاتها خطيرة جدًا، فهل يتطلب الأمر أن ننحرف عمّا أتانا من تعاليم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ونهج ومعيشة الصحابة الكرام. ولما رأوا أننا مستسلمين وموافقين تمادوا في نشر المذهبية والطائفية. وباعدوا بيننا وبين الفكر الموحد والمذهب الخالد وهو أن "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، الذي يجمع الجميع دون اختلاف وهذا هو مذهب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده ويجب أن يكون لكل المسلمين حتى تقوم الساعة.

فتأثرنا بهم وعشنا في سكرتهم وضلالهم وصرنا عندما نستشهد أو نضرب مثلا أو نذكر قدوة ننسى حضاراتنا وتعاليم ديننا الشاملة الوافية ونتجه لهم فعندما نتكلم عن حقوق المرأة نتكلم عن التجربة الأمريكية ونستشهد بالتجربة الأوروبية، وكأنهما المثل والقدوة، ونسينا أن أفضل من كرم المرأة ووضع لها حقوقها هو ديننا الإسلامي الحنيف.

وهكذا عندما نتكلم عن حقوق الطفل والمساواة وحتى عن الحرية الشخصية والعدالة الاجتماعية والحقوق والواجبات وحقوق الإنسان.

فليس أفضل من الإسلام في الفكر والسلوك والعمل والتطبيق، علما بأن الاختلاف بينهم أكبر والمسافات بين الكاثوليك والبروتستانت شاسعة، ولهم لغات مختلفة ومتفرقة، ومع ذلك تجمعوا في اتحاد أوروبي واحد. وتشاء القدرة الإلهية أن تنشأ الحرب الروسية الأوكرانية والتي نتمنى أن لا تدوم لتفضح كل ما كانوا يقولونه، فلا مبادئ ولا قيم ولا حقوق إنسان أمام المصالح، وكل ما قيل إنما لغرض في الماديات والمصالح المجردة.

وأخيرًا ظهرت لنا حكاية غريبة عجيبة منافية لكل القيم والمبادئ، ومخالفة لجميع الأديان السماوية والأعراف البشرية وهي أنهم يفكرون أن يفرضوا عقوبات على كل دولة لا تسمح بالمثلية، ولا تؤمن بها مثل ما هو موقفهم ضد أوغندا!

الخلاصة والاستنتاج.. أننا يجب أن لا نسمع لما ينادي به الشرق ولا ما يطالب به الغرب؛ بل أن ننظر إلى مصالحنا وفق عقائدنا وحضاراتنا، والحمدلله بدات الأمور في منطقتنا تتجه نحو الأفضل، فها هي العلاقات السعودية الإيرانية تعود لسابق عهدها، وها هي سوريا تعود للحضن العربي، والأمور في ليبيا بدات تلتئم، والحرب اليمنية بدأت تضع أوزارها، وكذلك العلاقات السعودية التركية والمصرية التركية ماضية في الاتجاه الصحيح، وإن شاء الله تعود قريبا العلاقات المغربية الجزائرية.

وبدأ الإحساس لدى الشعوب بالرضا والطمأنينة على هذه الصحوة العقلانية والمنهج الحقيقي والواقعي، وقد ارتفعت الطموحات والأمنيات لدى هذه الشعوب لتتمنى أن ترى اليوم الذي تصنع فيه هذه الأمة غذاءها ودواءها وسلاحها.

وهذا ما آمنت به بلادنا الحبيبة بقيادة سلطاننا المجدد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه.

حفظ الله الأمة العربية والإسلامية.. حفظ الله عمان وسلطانها وشعبها.