لعُمان الهمم والرفعة

 

فاطمة الحارثية

 

جميع دول العالم خاضت تجارب فريدة أثناء وبعد الجائحة وتغيرات المناخ، الكل تأثر بشكل أو بآخر، بيد أنَّ مذاق التغيير الذي مرَّ بنا كان فريدا ومختلفا، مس الأساس ولامس خوف الناس، خاصة وأن فترة الجائحة تزامنت مع فترة التحول المؤسسي على اقتصادنا وأرضنا وشعبنا، وأعاد تشكيل دور المؤسسات والقطاعات في الدولة، كان تغييرا جذريا وسريعا ليواكب مسائل أساسية، كأزمة الاقتصاد وغيرها؛ ودأب الاجتهاد من أجل الحفاظ على وتيرة الحياة والنهوض بعمان على وتد من قوة واستقرار.

لم يستطع الكثير من الناس استيعاب التعاقب السريع للخطط والمستجدات ولا التأقلم، ومازال الكثير منا يعايش الحيرة والتردد، رغم وجود منظومة واضحة وبينة، واستراتيجيات وخطط ثابتة نحو رؤية مرنة ومتجددة؛ إذا فهل المشكلة تكمن في استيعاب الرؤية أم بيان ما بعد الرؤية أي إلى أين تقودنا الرؤية، فقد تعددت التفسيرات واختلفت طرق التنفيذ.

تقوقع بعض الناس، واعتمد على فقاعات التواصل الاجتماعي كالتسريبات غير المنظمة، والأقوال غير المدروسة من قبل بعض الفئات، والشائعات التي يطلقها البعض الآخر لغاية في أنفسهم، في تقاعس واضح لبيان مصادر تلك الشائعات والتحقق منها، وهذا ولَّد عوامل الإرباك والتشتيت، نعم أيها القارئ، فقد أختار البعض منَّا أن تؤثر عليه أحاديث القيل والقال والشائعات المغرضة، وأن يعتنق الوهم ويعيش على الخوف، والشك، والتردد، حتى أن البعض قد جانب ممارسة الحيل الخبيثة بعذر المحافظة على كرسي البقاء، أو وظيفة، ثم يدعي أنها لعبة ذكاء.

صحيح أن معظم المؤسسات والشركات إن لم يكن كلها، مرت بنفضة التجدد، وبقي من كان لديه قوة علاقات وشبكات تواصل "الواسطة" في المراحل الأولى من التغيرات، ثم تلى بقاء من كان طموحا صادقا ساعيا بإثبات للصالح العام، مترجما ومفسرا عموم الرؤية وعوائدها الشاملة بطرق صحية وسليم ومتوازنة، وتناثر الهجين الضعيف، الذي اعتمد على "ماذا يريد المسؤول ويُرضيه"، وليس "كيف نحقق الرؤية بالطريقة الصحيحة من أجل بلوغ مصاف دول العالم؟". والحوار هنا ليس لأيٍ من الفئتين لأنَّ جوانب صوابهم وخطئهم واضحة، بل لفئة تلبدت بالخوف، وجمد أداءها مع الوقت وشعر بالظلم والضعف، فقد رأت نفسها ضحية لهذه التغيرات وتقوقعت في دائرة الراحة، رفضت ترك مجد الماضي ولم تحاول أن تجتهد وتتجدد لغد أفضل، فئة ترى أنها ضحية كل ما يحصل من غيرها وتحارب كل من يحاول انتشالها من الضباب الذي تعيش فيه، فقدت الثقة رغم قوتها، تحارب كل جديد وكل تغيير بشراسة، ترفض أن تسمح للتجربة الماضية أن تنضج لتتجاوزها. 

قد لا ألوم هذه الفئة لآن معظم أفرادها تلقوا الغدر من أقرب شركاء العمل وحتى الأقرباء، تأذوا أثناء عمليات التغيير وتلون السلوكيات من حولهم، والأحداث خاصة من زملاء الفتن والسرقة الفكرية ونسب الأعمال لغير مؤديها الحقيقي، وأصبحوا يعاقرون ويتفاعلون مع الافتراضات والفرضيات، ويتعمقون في تجارب مُسيئة مبتعدين عن الحكمة والمنطق ومنهم من آثر صناعة ردود فعل غير منطقية، وبغير قصد صنع الفوضى بدل المضي بثقة وهمة نحو الحقيقة والعمل الجاد، والمؤلم من أحجم عن مشاركة فكرة المُبدع خوفًا من أن يُسرق ويُنسب للغير.

إن الخروج من قوقعة الحماية النفسية، واستبدال منطقة الراحة أو دور الضحية، يكون بتحدي الذات، ثم الإقبال على الحياة بروح عالية، تسمو بوجودك وبدورك والمضي بشجاعة عبر محورة منظومة المعطيات بعقل منفتح، وقبول حلول جديدة تصنع الطريق للحاضر والمستقبل، أما عن الخيانة أو صدمة التغييرات فتذكر أن أول خطيئة على الأرض أن آثر قابيل الوحدة على العيش مع هابيل وغدر به لتفوقه وقربه من الله، فلا يجب وضع توقعات أكبر من حجمها، والتجارب جزء من الحياة والتغيير والنمو، ومنطقة الراحة ليست دائمة ولا تحمي أحداً، لا الموظف ولا الشركة، إذ إن بقاء أحدهم يعتمد اعتمادا كليا على بقاء الآخر.

إدراك أننا قوة تستطيع أن تتعاضد وتشكل منظومة حكيمة منظمة مترابطة، مكملة لبعضها البعض بشكل وثيق ومُحكم، يرفع من قيمة الأداء؛ إدراك أن أدائي اليوم هو الذي يصنع لي نوما هادئا ومكانا أفضل للأجيال القادمة، ولأبنائنا مستقبلا، ويُشعل الحماس ويمكن الصبر فينا، إن الوعي أنها تدور ولم تدم لأحد يخفف عليك الشعور بالظلم ويمدك بالقدرة على التريث حتى ترى سقوط الغادر والمتلون والمنافق، الاستيقاظ صباحًا من أجل عموم العطاء والتجرد من الأنا، يسمو بكل أدائك الوظيفي أو العملي أو التجاري أو الإداري، تسمو لتعلو عُمان بك.

قد أضاء لنا ولي أمرنا أهمية أن نتمسك بالمبادئ والقيم، لأنه بحكمته رأى ما مر ويمر علينا، وبه نحن الهمة ونحن رفعة عمان، ولن نجد قيمة إن لم يكن حولها مناقضوها، ولن نتمتع بالنعم إن لم نصنعها كما نريد وتريد عُمان.

سمو...

أن نحاول هو الهدف وليس تركها لتبور، عمان لنا وجنتنا، وجنة أطفالنا، لا لكل من يُريد هجرها، الجبناء من يعلنون العجز ونحن همم أشراف خلفاء الله على الأرض التي اختارها لنا، ولعمان الهمم والرفعة والسلام.