ناصر أبوعون
◄ دور الإخوة الطائيين في تأسيس النهضة الإعلامية والثقافية
◄ لماذا اعتمد حمد الطائي في رسائله الشعر بديلًا عن النثر
◄ "الرسائل الطائية" تتزين بالصور الشعرية عالية المجازات
◄ سطوة النزعة القومية والرؤية النقدية على رسائل الطائي
◄ معمار الرسائل الطائية جمع بين سمات الديوانية والإخوانية والمزاوجة
أخبرنا سعيد السيرافي، قال: قال أبو حاتم السجستانيّ: (إذا مات لي صديق سقط مني عضوٌ). وفي "التغريبة الطائية"، ومع رحلة الشاعر حمد بن عيسى الطائي في بلاد الله الواسعة، بحثًا عن مؤونة العيش الكريم، سقط كثيرٌ من بني جلدته، وأقطاب أهله وعشيرته، ورفقاء رحلته واحدًا تِلْوَ الآخر في رحلتهم إلى الحياة، وهجرت طيور الحب أعشاش السكينة في قلوبهم؛ فتلظّت روحه الأمّارة بالحبّ حنينا إلى موطنها ومراتع صِباها، وخلّفت في فؤاده المترع بالحنين نارا لا يخبو أوراها، وإن بدت صفحة وجهه في خريف العمر هادئةً إلا أنَّ تحت بياض الثلج نارا إلا الأقصى عن دياره؛ وقودها الاغتراب الذي شقّ سويداء النفس، وخلّف في القلب جمرةً متوهجة، تُضيء عتمة الروح بالحسرة؛ وأيّ حسرة على مفارقة الأحبة. وهذا المعنى نعثر عليه في قصيدة له خَطَّها في صورة (رسالة إخوانية) أرسل بها لابن عمّه نصر بن محمد الطائي في البحرين يوم 16 من جمادى الأولى 1370 هجرية يقول فيها: [(خرجتم عن الأوطان لما نبت بكم // فمربع هذا القطر من بعدكم قفر)، (لقد عزّت الأيام عيشي بقربكم //فضاقت بي الدنيا وأذهلني الصبر)].
تأسيس النهضة الإعلامية
لقد كان الشيخ الشاعر حمد الطائي قارّة مترامية الأطراف؛ أقطابها الأدبيّة أربعة؛ أخواه، القاضي والأديب (هاشم بن عيسى)، والشاعر (صالح بن عيسى)، واثنين من بني عمومته هما: (الأديب عبدالله والكاتب الصحفي نصر الطائي)؛ أبناء القاضي محمد بن صالح الطائي؛ أربعة رجال أساطين في عالم الكتابة، ملكوا ناصية القلم، وركبوا أحصنة الشعر، وفرشوا بساط النثر، وكتبوا بأسنّة أقلامهم بعد أن غمسوها في محبرة القلب سيرةً علمية وأدبية مجيدة مُسَطَّرةً في صفحات التاريخ العُماني الزاخر بالإنجازات والمفاخر، فقد عاشوا أربابًا للسيف والقلم، وساهموا في تأسيس نهضة إعلامية وأدبيّة رصينة في سلطنة عُمان مع مطلع شمس النهضة المباركة من سبعينيات القرن العشرين، بدأوها بإنشاء أجهزة ومؤسسات إعلامية حديثة تمثلت في (صحيفة الوطن، وإذاعة سلطنة عمان، والمطابع الحكومية)، وجميعها استندت عليها الدولة الفتيّة في التعريف بنهضتها، والتأريخ والتوثيق لمنجزاتها التنمويّة، ونشر وترويج مباديء سياستها الخارجية، وأسهمت في تشكيل وعي الجماهير والسكان المقيمين.
إبداع الرسائل الإخوانية شعرًا
وفي هذه الإطلالة النقدية سنعرِّج على غرض أدبيّ بَرَعَ فيه الشاعر حمد بن عيسى الطائي، وهو "فن الرسائل والإخوانية"، وإنّ ما يُحْمَد لهذا الأديب الحاذق أنه خالف ما جرت عليه العادة بين الأدباء العرب القدامى والمحدثين الذين اعتادوا أن يكتبوا رسائلهم الوجدانيّة "نثرًا"؛ فاختار أن تكون رسائله في قالبٍ من الأبيات المنظومة؛ الوزن إطارها، والموسيقى ترانيمها، والأفكار موضوعها، والألفاظ بريدُها، والقوافي فواصلُها، والعروض الخليلي عُمْدتها. على نحو ما قرأنا له من رسائل عدة بعث بها إلى حاضرة البحرين نذكر منها رسالته لابن عمّه الأديب الموسوعيّ عبدالله الطائي وزير الإعلام في حكومة رئيس الوزراء السيد طارق بن تيمور آل سعيد في 4 من رجب 1370 هجرية، يقول فيها مترنّما منشدًا: [(فعبد الله لا عجب إذا ما // لسيرته القويمة قد حذاها)، (تعشق للمعالي فهو صبّ // يرى الأنكاد تحلو في هواها)، (قرته لبانها إذا شاهدته // لها كفؤا بأن يحظى قراها)، (إليه تنتمي العلياء أصلًا // ومن نكب الزمان لقد حماها)، (به البحرين حازت كل فخر // طيور الأنس تصدح في رباها)].
مزايا وسمات الرسائل الطائية
استطاع شاعرنا أن يسِمَ رسائله الإخوانية بِحُلّة قشيبة من الصور الشعرية المشحونة بطاقة لغوية عالية المجازات، ولكونها رسائل خاصة فقد أطلق العنان لحصان الشعر في الجموح على مضمار السباق الإبداعيّ حتى يُفرغ دفقاته الشعرية ويصهل في مرابض الصداقة، ولكون الرسائل الوجدانية الخاصة "تمتاز بأنها تعبّر عن شخصية كاتبها؛ فهو لا يتكلّف ستر دخيلته، كما يفعل في كتاباته الموجّهة إلى الناس، فهي تُعدّ خير وسيلة للكشف عن أعماق النفس، كما تُقاس قيمة الرسائل الخاصة بصدقها، لأنها تُكتب بِمِداد القلب؛ إذ يستسلم الكاتب إلى مشاعره الحقيقية بل تكلّف أو مواربة" ([[1]])، وعلى مثال هذا النموذج نقرأ له رسالة إخوانية أخرى صاغها في قالب شعريٍّ عمودي تحت عنوان: (يا هاشم مني إليك قصيدة) كتبها في بوشر في 5 من جمادى الأولى1370 هجرية؛ تفيضُ معانيها بالصور الشعريّة والمجازات، ويحلّق في سمائها الخيال، وترتدي فيها الألفاظ حُلّة من الألوان القشيبة؛ يقول فيها: [(رفقا فديتك قد رميت فؤادي // وحرمتني في الحب منك مرادي)، (يا عاذلي دع عنك عذلي فالهوى // في مبتلاه العذل ليس بجادي)، (أتلومني والحب أضرم مهجتي // وبه فقدت من الحياة رشادي)، (كيف السلو عن التي في حسنها // حور الجنان لها من الحساد)].
النزعة القومية في الرسائل الطائية
إذا ما عمدَ القاريء إلى البحث فيما وراء رسائل الطائي الشعرية، وغاص بصحبة تراثه الشعريّ في بحار النغم، شاء له الله أن يجمع لآليء تتشعشع بالضوء، وتقوده إلى سبر أغوار نفس الشاعر حمد الطائي، وما تنطوي عليه من طاقة إيجابيّة، وروح وثّابة نحو المعالي؛ و"خلال تحليل الرسائل نلمس هواجس عاطفيّة، ونزعات فكريّة وقومية، وآراء أدبية ونقديّة قيّمة، وفيها كشفٌ داخليٌّ لشخصية كاتبها لا سيما تلك الموجهة إلى صديق مخلص، أو أب ملتاع، فدراستها خير معين لفهم نفسية أصحابها وتفكيرهم"([[2]]).
ونعثر في قصيدة له كتبها تحت عنوان: (دع الأطلال تندب من بناها) وأبرق بها لابن عمه الأديب عبد الله الطائي في البحرين على نزعة فكرية، ورؤية قوميّة، وترويج للفكر الوحدويّ الذي ساد في هاتيك الفترة الزمنية انبعاثا من وحدة المصير العربيّ المشترك، ووحدة اللغة وتكامل وتجاور الجغرافيا، والانتساب إلى العرق. وتأتي رسالته الإخوانية في صورة قصيدة شعرية مشفوعةً بنظرة اعتداد نقديّة يتحلّى بها الشاعر وتتجلّى تلك النظرة الناقدة الفاحصة في ختام بيتين من رسالته الإخوانية التي يقول فيها: [(ونحن بني العروبة خير شعب // عناصرنا توحد منتماها)، (إلى شعري ترى الأدباء تهفو // كما تهفو العقول إلى نُهاها)، (تخال عروضه كنجوم ليل // تفاخر بالضياء على سواها)].
سيطرة فن المديح على الرسائل الطائية
غير أنّ الملفت لنظر القراء في مدونة الشاعر حمد بن عيسى الطائي أنّ جُلّ الرسائل الإخوانيّة التي صاغها جاءت في صورة رسائل بريدية كان يبعث بها بين الأقطار لإخوته وأبناء عمومته وأصدقاء رحلته، وكان غرض المديح يسيطر على مساحة شاسعة من قماشتها البلاغية؛ "إذ أنّ القصيدة المدحية تمثل ترسيخا لقيمٍ عالية، تكون مثالا يُحتذى، وبما أنّ هذه النظرية تُعزِّزُ رسوخ قيم المدح في الشعر، بعيدا عن الانتهازيّة التي قد تكون في دواخل بعض الشعراء" ([[3]])، وفي هذا المعنى نقرأ له من مأثور ما جادت به قريحته رسالة إخوانية كتبها لابن عمه الكاتب الصحفي مؤسس جريدة الوطن ورئيس تحريرها وصاحب امتيازها قوله: [(لقد حق للبحرين تدعى ثلاثة // ففي دوحة العلياء أنت لها بحر)، (لئن كان في البحرين للنفط معدن // فإنك فيها أنت معدنها التبر)، (فلله أنتم يا سلالة عمنا // إذا افتخر العرفان أنتم له فخر)].
لماذا الشعر كان بديلًا للنثر؟
وإذا كانت حصير النثر واسعة تعطي الكاتب براحًا على مدى تدفق القلم، لا تحدّه حدود، ولا تعيقه قوافٍ عن السباحة بفكره، وتدفق مكنون وجدانه، في صورة نهر من الألفاظ يتدفق ليسقي الشقوق العطاش في صحراء اللغة، إلا أنّ "الكاتب يلجأ إلى الشعر في كتابة رسالته بديلًا عن النثر لأنه يجِدُ النثر غير كافٍ لإيصال ما يتزاحم في صدره إلى مُخاطِبهِ، فجاء التعبير بالشعر؛ شعورا منه بعدم إيفاء الأفكار حقها، وإخراج مكنونه المتزاحم، الذي تّشّكّلّ بوصول الرسالة إليه، مما جعله يرى صناعة النثر قاصرة دوم مراده في التعبير"([[4]])، ففي قصيدته لأخيه القاضي (هاشم بن عيسى) يبدأها بمطلع غزليّ- ولا أعتقد أنّ هذه المقدمة الطللية جاءت عفو الخاطر، أو رغبة من الشاعر في تقليد القصيدة العربية الكلاسيكية القديمة- كما اعتاد شعراء العصرين الجاهلي وصدر الإسلام-، وإنما نعتقد أنّ وراء الأكمة من الأسرار التي أمسك الشاعرعن الخوض فيها لغرض في نفس يعقوب. ومما جرى به قلمه من وحي شعريٍّ، وفاضت به قريحته، نقرأ له: [(يا ظبية سبت الفؤاد بدلها // هلا رحمت متيمًا بك شادي)، (هبي إلي فقد ملكت حشاشتي // وسلبت من عيني طيب رقاد)، (ما هذه الأنغام إلا أنها // أنات صبٍّ قد بلي ببعاد)، (ما لذّ لي كالحب لولا // أنه قد حفّ لذته بكل نكاد)، (يا قوم هبوا للمعالي واطرحوا // عنكم شتات الشمل بالأحقاد)].
وفي هذه الرسالة/ القصيدة السابق الإشارة إليها، يتداعى البوح العاطفيّ إلى أوسع مدى، ويأخذك الشاعر في مناطق آسرة وجديدة غير مطروقة، لم يألفها الوعي الإبداعي، ولم يعتدها أدب الرسائل الإخوانيّة، ليبقي القاريء قيد الانتظار على مجمرة من المشاعر الفيّاضة حتى إذا ما استعذبتَ روحُه هذا التداعي، وسار في إسار الشاعر معصوب العينين، وأسلمَ نفسه طواعية. أيقظه الطائي من هُيامه وتِيهه وسباتِ عينيه الناعستين من فرط الصَّبابة على مقطع من الشعر الوطنيّ يُخاطب به عشيرته من الطائيين يقول فيه:[(يا قوم حتّام الحياة بذلة // خلو التحاسد وائذنوا بجهاد)، (بظبا السيوف الحرُّ ينصر نفسه // وبها يعيش الدهر في إسعاد)].
"وهنا يلتف الشعر على النثر، ليصوِّر لنا لوحة مدحيّةً، فنيّةً، متكاملةً، يرسم فيها الشعر كثيرا من الأوصاف، والمعاني التي لا يستطيع النثر النهوض بها بنفس الدرجة من الجمال والوضوح والإبداع، وحينها نلحظ كيف أنّ البوح العقليّ يلتفُّ مع بوح العاطفة، والشعور ليخرج لنا عملا أدبيا فنيًّا واحدًا لا تنفك أجزاؤه"([[5]]).
المعمار الفني للرسائل الطائية
فإذا ما بحثنا عن المعمار الفني الذي انبنتْ عليه رسائل الشاعر العُماني حمد بن عيسى الطائي، وجدناه قد جمع بين بِنْيَة (الرسائل الديوانيّة)، والعناصر الفنيّة التي تشد بُنيان (الرسائل الإخوانية)، والنسق التكوينيّ في (الرسائل المزاوجة) داخل مساحة النصّ الواحد، بما يُشبه لعبة (الليجو)، فجمع لنا في الرسالة الواحدة ما بين:(حُسن الافتتاح)، وجمالية (المطلع)، وفنية (إهداء السلام)، وبراعته في (شرح الأشواق)، وإيجازه في الإبانة عن (الغرض من الرسالة)، ومنتهيا بـ(الخاتمة والدعاء).
فأرى القاريء قدرته الفائقة في (حُسن الافتتاح) مشمولة أحيانًا بـ(التحميد والشكر) على نحو ما قرأناه له من رسالة إخوانية تحت عنوان: (الأحبة في بوشر) كتبها في 08/10/1986 لأخيه الشاعر صالح بن عيسى الطائيّ مبتدءًا بقوله: [(شكرا لصالح أولًا وأخيرًا // قد كان دوما موئلًا ونصيرًا)، (منذ الطفولة كنت أنعم حبه // فلكم كساني نعمة وحبورًا)، (من بوشر سيبا ارتضاها مسكنًا // فيه سمت مجدًا يعز نظيرًا)، (أرجو له التوفيق في أعماله // وبأن يعيش موفقًا منصورًا).
وتارة أخرى يأتي الشاعر بـ"حُسن الافتتاح" من رسالته على صورة من عيون الحكمة، ودُرر النُّصح الأخويّ، ويطيلُ في هذا الغرض فتتتداعي الأفكار ويتدفق فيروز الكلمات التي تُوزن كل جملة شعرية فيها بميزان العقل، وتأطيرها في لوحات فلسفيّة، يلمع ضوؤها على صفحة القصيدة، وجديرٌ بنا تعليقها على أبواب قاعات الدرس، وافتتاح مجالس الأدب بها. ومن هذا الفن ما نقرأه له في رسالة بعث بها للأديب عبد الله الطائي من بوشر إلى البحرين يوم الرابع من رجب عام 1370 هجرية يقول في مفتتحها: [(دع الأطلال تندب من بناها // ولا تطل الوقوف على بناها)، (تسائلها ولا تشفيك ردًا // كأحلام المنام لمن يراها)، (فإن أبديت صبرك لليالي // قدير أن تعيد لها مناها)، (بنات الدهر للعلياء شوك // ترد به الأنامل عن جناها)، (وذو الهمات في طلب المعالي // يرى نيل المطالب في أذاها)، (يعزز سعيه بخميس عزم // يخوله من العليا ذراها)، (فشمّر إن ترم نيل المعالي // وخض لجج البحار تكن فتاها)، (فإن الدر لا يبتاع إن لم // تكن أصدافه عنه جلاها)، (وبيض الهند لا تجيد حربًا // إذا ما الدهر أورثها صداها)].
وفي رسائل شعرية أخرى يأتي الشاعر بـ"حُسن الافتتاح" في صورة شكوى وحنين للأحبة على نحو ما أورده في قصيدة له أرسلها إلى شقيقته رقية بنت عيسى بن صالح الطائية زوجة ابن عمه الأديب عبد الله الطائي، يبث من خلالها لواعج الفراق، ويبين لها كيف يَصْلَى على نيران الحنين، ويستدعي عبرها ذكريات مجالس الأنس واللقيا في صباحات وعشيات يوم الجمعة. يقول فيها: [(أختي العزيزة إنني لك شاكي // داء الحنين بلوعة للقاكِ)، (ما هذه الأوطان رغم جمالها // إلا "شريط" ضم واقع صداكِ)، (و"الجمعة الزهراء" كانت ملتقى // لأحبة ترنو بطرف باكي)].
وفي رسالة أخرى يأتي الشاعر حمد الطائي بـ"حُسن الافتتاح" في رسالته الشعرية على صورة "تَحَايا"، ممزوجةٍ بوصف السمات الأخلاقية والنَّسبيّة للمرسَل إليه، ومن بديع قوله في هذا الباب رسالة كتبها في رداء قصيدة تحيّةً منه لصديقه سعادة الشيخ أفلح بن سالم الرواحي القنصل الفخريّ لدى مملكة بلجيكا، وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان منذ بداية تأسيسها والقصيدة مؤرخة في الثلث الأخير من عقد ثمانينيات القرن العشرين في 19/04/1987. قال فيها: [(حي الصديق الطيب الأخلاق // من آل عبس صفوة الأعراق)].
ثم ينتقل بنا الشاعر حمد الطائي في رسالته الإخوانية المصاغة شعرًا من "حُسن الافتتاح" إلى "مطلع الرسالة" ذاكرًا مقام المُخَاطب، ومُعظّما ذاته مُثنيًا وواسمًا شخصَ سعادة القنصل بأجل الصفات، وحميد السمات، وفيض المكرمات: (جمع السماحة والنزاهة والتقى // فسما بها نصرًا بلا إخفاق)، (ولكم دعتني النفس نهج مساره // لكنه نهج يعز لراقي)، (فقبعت في عشي بفكر زائغ // من بعد أن عانيت جهد لحاقي)].
فإذا ما انتهى الشاعر من "مطلع الرسالة" عرّج بنا وبصاحبه على "إهداء السلام" مُظهرًا الولاء، بعد الوقوف بين يديه، والثناء عليه. على نحو ما أورده في رسالته الشعرية لأخيه هاشم قائلًا: [(يا هاشم مني إليك قصيدة // هي فيض حزن من صميم فؤادي)، (دامت لك النعمى ودمت لنا حمى // والله ينصرنا على الاضداد)].
ثم ينتقل بنا إلى "الغرض من الرسالة أو موضوعها"، ومن سماته في هذا المقام الاقتصاد في الألفاظ، وإيجاز الفكرة في القليل من الجمل الشعرية الحاملة للمعنى، والإفهام من غير تقعّر أو غموض، يوقع القاريء في اللبس، ويسيء عدم الفهم. وفي هذا العنصر الرئيس من الرسالة الشعرية نقرأ له ما كتبه لابن عمه نصر بن محمد الطائي أثناء إقامته في البحرين ردّا على رسالة عتابٍ منه جاء فيها: [(كتابك وافاني وتذكر أنني // جفوتك إذ لم يأت من لكم سفر)، (لقد شاء هذا الدهر والغدر شأنه // بأن بني الأحرار ليس لهم قدر)، (وما عاب هذا الدهر منا نقيصة // ولكن به عن نيل ذروتنا قصر)، (وما نقص هذا الدهر إلا كأهله // كذاك على أشكالها تقع الطير).
ثم يُنهي الشاعر حمد بن عيسى الطائي (رسالته الشعرية الإخوانية) بإيراد (خاتمة) مشمولة بالدعاء والسلام للمُرسَل إليه على نحو ما قرأناه له في مقطوعة شعرية أبرق بها إلى صاحب السمو السيد فيصل بن علي آل سعيد يوم 27 من يناير عام 1992م قال فيها: [(ولذاك أرجو سيدي للقائكم // أن تسمحوا لي حينما أشتاق)، (هذا وأدعو الله يقيكم لنا // ذخرًا وعزًا ربنا الرزاق)].
([[1]]) انظر: تأملات في رسائل الأدباء، عبد اللطيف الأرناؤوط، سلسلة آفاق ثقافية، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق: 2012
([[2]]) انظر: الرسائل الخاصة، سامي الكيالي، تأملات في رسائل الأدباء، ص: 11
([[3]]) انظر: شوقي ضيف، تاريخ الأدب في العصر الجاهليّ، ط8، دار المعارف، ص: 210، 1966م
([[4]]) انظر: توظيف الشعر في الرسائل الإخوانية، رسالة ماجستير، صفية العتيبي، ص: 52، جامعة أم القرى، 2010
([[5] ]) المرجع نفسه، ص: 60