الانتخابات التركية وصراع الأشياخ

 

سالم بن محمد العبري

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات التركية في ١٤من مايو وأظهرت بعد معركة قوية ضارية بالداخل والخارج تدخل قوى خارجية كما هو الحال في كل الانتخابات العالمية وبصورة فجة أو من خلف الأستار فضلاً عن بعض المماحكات التي تبديها بعض الدول الكبرى؛ فليس لديهم قيم ولا احترام للنظم والقوانين الدولية مادامت مصالحهم، ورغبة إحكام السيطرة تستدعي ذلك.

وقد ترسخ في ذهني على مدى متابعات ومطالعات المشهد السياسي العالمي في العديد من البلدان أن البشرية تراوح مكانها ولن تتزحزح عن تولية الأشياخ وإن وهنوا وعمروا طويلا ربما التجربة الإسلامية والتجارب العربية لم تشذ عن هذا المسار فعثمان - رضي الله عنه - كان سببًا للفتنة حين شاخ وطالب البعض بتنحيته وتقديم أحد الخمسة من الست الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده.

وهذا الإمام السلط بن مالك يطالب البعض بتنحيه عن الإمامة بحجة تقدمه في السن ورغم أن الإمام ذاته لم يتشبث واعتزل؛ لكن حالته وإلى عصرنا هذا مازالت محل نقاش؛ فالبعض يرى رأي المطالبين بعزله وفريق آخر متمسك به على الرغم من أنّ كتاب الاستقامة للشيخ أبي سعيد الكدمي ناقش الرأيين باستفاضة وتحليل ولكنه لم يقفل باب النقاش والتحزّب لهذا الرأي أو ذاك.

ولم تكن حالة الإمام- رحمه الله- بعيدة عن هذا الحراك الفكري الموضوعي فهو قد أراد الاعتزال ولكن العلامة الشيخ إبراهيم العبري وقف بقوة رافضا النزول على رأي الإمام والتخفيف عنه بعد أن ضعف حاله وقلَّ ماله. وقد يكون الأنصار والمحيطون لا يملكون تصرفا أو بصيرة ترسم طريقا يسجله التاريخ يوافق روح العصر.

وهذا هو الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وكان رمزا من رموز الثورة الجزائرية وأخرج الجزائر خلال رئاسته للجزائر من محنة الفتنة الداخلية وشق مسارا للتسوية والإصلاح بين فئات الشعب ووفق توفيقا ربما اتبعته بعض الشعوب والقيادات التي ابتليت مجتمعاتها بمثل تلك الفتنة لكن محيطه والنفس البشرية بررت له التمسك بالبقاء في السلطة حتى الممات لولا تحركات الشعب الجزائري.

وفي ظني أن اتجاه بعض من أعدوا الدستور التونسي الذي أعقب حركة الجماهير في 2010 قد نادوا بقصر حق الترشح للرئاسة بألا يتجاوز سن المترشح الـ65 سنة وهذا هو التوجه الصحيح الذي يتوافق مع طبيعة الإنسان وإمكاناته الذهنية والجسمانية ومع الطبيعة الضخمة للمسؤولية المعاصرة.

وقد أخذ العجب كثيرا من أصحاب الرأي وخصوصا الدستوريين والكتاب حين ذهب السوريون لترشيح بشار الأسد لخلافة والده، لكنني حين قدر لي أن أقف على أسباب ذلك الاختيار قلّبته وبانت مصداقية ذلك التوجه، لقد قال الرعيل الأول في القيادة والحزب إن الجيل المكون لرجالات القيادة كلهم في الستينيات والسبعينيات من العمر والعالم يشهد تحولات وغيوما تنبئ بحروب وفتن وصراعات دولية ولا يقوى الشيوخ على تحمل أعبائها.

لقد أبدعت قناة الميادين في تغطية موضوعية حرفية للانتخابات التركية بحرفية وتغطية واسعة امتدت لأسبوعين كاملين وبمندوبين انتشروا من أنقرة وحتى إسطنبول ومن الشمال إلى الجنوب، فتابعتها بشيء من الاهتمام، فكانت ملحمة ديمقراطية رائعة تسجل للشعب التركي الشرقي، وتحسب أيضاً للحكومة والمعارضة، وخصوصا هذا الحضور الكثيف المميز الرائع دون انفلات أو مصادمات أو احتكاكات مقلقة وهذا يسجل للشرطة والأمن ولهيئة الانتخابات عملا جبارا ووطنيا يحسدون عليه ونسجل لهم التقدير والاحترام؛ فلعل المنطقة العربية تتأسي بهذا العمل الذي نسجله لتركيا موالاة ومعارضة.

أما عن تسجيلي لبعض الملاحظات فإن الشرق شرق وربما يتبعه الغرب المعاصر وهو ارتفاع سن المترشحين وفي ظني أن الطرفين كان يجب أن يفسحا للجيل لجيل الشباب تحمل المسؤوليات الضخام التي تواكب العصر من مشاكل داخلية جمة وخارجية وحروب دولية وإقليمية وتكتلات اقتصادية.

وعن ميزان القوى بين المعارضة والحكومة، فتظهر النتائج البرلمانية والرئاسية شبه توازن في القوى والتأثير والتأييد؛ فالنتائج متقاربة برلمانيا ورئاسيا والمعارضة ربما أقوى وأقدر على التواصل مع الجماهير وربما المجتمع يميل إلى التغيير وهو مطلب إنساني وجماهيري ومشروع، ولولا أن الحكومة لديها السلطة في الإنفاق والدعاية والتجهيز للمشاريع والإفصاح عنها في فترة الانتخابات لتقدمت المعارضة من الجولة الأولى، وقد تكون المشكلة السورية ورغبة الحكومة في حلها عاملا مشتركا وفي التمهيد والدعاية.

ونختم بالقول.. إن تركيا أثبتت أنها دولة حضارة وتاريخ وبعد إنساني وديموقراطي تتميز به، وعلى الشرق العربي والإسلامي أن يحتذي حذوها ونحلم بقيام إمبراطورية عربية إسلامية تنشر العدل والإخاء والتنمية والرفاهية وسيادة القانون.

تعليق عبر الفيس بوك