لو كنتُ مسؤولًا (7)

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

Khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

لا زالت الكتابة مُستمرة في هذه السلسلة من المقالات، ذلك أن العمل المؤسسي مستمر، ومتداخل، ومتشعب، ويتصف بالديناميكية، والحركة، فلو كان العمل المؤسسي جامدا، لتوقفت عجلة التطوير والتنمية، وتعطلت متطلبات الإبداع والتطوير.

فكل ذي لب وبصيرة يدرك تماما ضرورة التفاعلات بين مختلف القطاعات في المؤسسات، سواء كانت هذه التفاعلات بين مستويات بشكل أفقي، أو بشكل عمودي من أعلى إلى أسفل أو العكس.

والمسؤول اليوم يعمل في مؤسسة تربوية تعليمية، وقد اطلع على قانون التعليم المدرسي، وما صاحب صدوره من آراء وتفسيرات، وهذا أمر طبيعي، وصحي، ذلك أن العمل التربوي التعليمي المدرسي يعني شريحة واسعة جدا من أبناء المجتمع، وتهتم به فئات مختلفة من حيث العمر، والمستوى التعليمي، والنظرة، والحاجة للمعرفة، والرغبة في الاطلاع على القانون، والقدرة على تفسيره، ولربما التكهن بما ورد فيه من مواد.

والمسؤول اليوم تعرض لتساؤلات عديدة من قبل زملائه في المؤسسة التعليمية التي يعمل فيها، ومن قبل طلابه، ومن قبل أولياء الأمور، وكل مهتم بمواد في القانون دون غيرها، هذا الاهتمام مرجعه طبيعة العمل والعلاقة، وما أورده القانون من مواد تعني مستوى معينًا من المسؤولية.

ولو كنتُ مسؤولا، فإن علي الإدراك التام أن القانون أصبح نافذا بموجب المرسوم السلطاني الذي صدر به، وأخذ دورته التشريعية الكاملة قبل صدوره، وهنا أصبح القانون بمواده المختلفة ملزما للجميع في مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة، والمجتمع، كل بحسب واجبه واختصاصه، وحدود عمله، والتزامه، وعليه فلا مجال للوقوف عند مادة أو أخرى وإظهار عدم الرضا بها، فهذا في حد ذاته مخالفة صريحة لقانون نافذ، وبالتالي فعلى المسؤول إيضاح هذا الأمر من ناحية، وعلى المعنيين فهمه وإدراكه من ناحية أخرى.

جاء القانون في (97) مادة مقسمة على عشرة أبواب، لكل باب مواده ومتطلباته، وبطبيعة الحال فإنَّ القوانين عادة تصدر بمواد عامة، لا يمكن تقييدها في القانون، لتبقى مرنة صالحة لأطول فترة ممكنة، ذلك أنه من الصعب تعديل القوانين خلال فترات متقاربة، ما لم يقتضي الصالح العام خلاف ذلك. ثم تأتي اللائحة بالتفصيل، بشكل أكثر مناسبة لمقتضى الحال، وأكثر انسجامًا مع الواقع.

ورغم أن الكثير ذهب مباشرة للمواد المتعلقة بالعقوبات - وهم معذورون في ذلك فكثير من الوسائل الإعلامية ركزت على هذا الأمر دون غيره -، لكن ما ورد في القانون من أحكام عامة، ومراحل تعليمية، وبرامج تعليمية خاصة، وبيئة تعليمية، وتمويل، وحقوق الطلبة وواجباتهم، وأعضاء الهيئة التدريسية، وإدارة المدرسة، والبحث العلمي، والمناهج، والتقويم؛ كلها تأتي في إطار نظرة مستقبلية واعدة لنظام التعليم المدرسي، تنطلق من ثوابتنا الراسخة، وتستشرف مستقبلا واعدا لمخرجات تعليمية ممكنة، ورغم أنَّ البعض يرى تأخر هذا القانون، وأن العديد سبقنا فيه؛ لكن ما ورد فيه من مواد، وأبواب تتعلق بالتعليم المدرسي وتطويره وتنميته، أمر مبشر بالخير، ويدعو للتفاؤل، ويُحدد ملامح مستقبل التعليم.

بقي الآن أن تأخذ اللائحة التنفيذية للقانون، طريقها للإصدار وفقاً للمعمول به، ومن خلالها تتضح المواد بشكل أكثر تفصيلا، وتحدد الأدوار والمسؤوليات، وعلى كل مسؤول معرفة دوره بشكل كامل وواضح، ويضع بناءً على ذلك خططه وبرامجه، التي تتكامل مع خطط وبرامج مختلف التقسيمات بالوزارة المعنية من ناحية، وأي تقسيمات في الدولة لها علاقة بتنفيذ مواد القانون وإنفاذها من ناحية أخرى.

وكم كان ضروريًا أن تقوم الجهة المعنية بحملة إعلامية تعريفية وتوضيحية بالقانون ومواده، ويكون التركيز دوما وأبدا على ما أظهره القانون من اهتمام جلي وواضح ومشرف بالنظام التعليمي، فإغفال هذا الجانب أو تأجيله، أو الاكتفاء بتصريح مسؤول من هنا وهناك لا يحقق الهدف المنشود، ولا يصل بالأمور إلى النحو المراد منها، وحقيقة الأمر أن الإعلام والتوعية أصبحا ملازمين لأي عمل مؤسسي، ومرتكزا لأي جهد؛ من خلاله يتضح المبهم، ويزول اللبس، وتنتهي التأويلات التي لعل لمن أولها شأن آخر، وهدف مقصود.

وبالعودة إلى مواد العقوبات؛ فهذا شأن كل القوانين التي هي في مقام الإلزام، مستمدة هيبتها من هيبة مشرّعها، ومن هيبة الدولة، ومن هيبة النظام الأساسي، وطبيعة العمل في دولة المؤسسات تقتضي ذلك.

فالعقوبة الأصل فيها الردع لمن يعتزم ارتكاب الجرم، وهي تأتي بعد حدوث الفعل المجرم في القانون، فالأصل فيها منع الناس من القيام بالفعل، وحثهم على الالتزام، وهم هنا على الخيار فإن فعل عوقب، وإن امتنع فلا عقاب عليه، وهذا مأخوذ من نص الشريعة وروحها " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ "، بمعنى أن العقوبة رادع لمن تسوّل له نفسه ارتكاب فعل عليه عقوبة بنص قانوني.

وبطبيعة الحال فإن هذه العقوبات تتفق مع النظام الأساسي الذي ألزم التعليم الأساسي، وجرم التعدي على الناس، وصان المكتسبات، وحفظ الحقوق للجميع على حد سواء، وهو كذلك متفق مع القوانين الدولية، والاتفاقيات الملتزمة بها سلطنة عمان، والمنظمات ذات العلاقة بالتعليم وحقوق الإنسان وحماية النشء. وليس من المنطق أن نغفل القانون كاملا، ثم نسقطه في مواد حددت عقوبات المخالف إن حدثت منه المخالفة.

وفي الختام فإنَّ المسؤول في هذا القطاع التعليمي بالغ الأهمية، وبعد صدور قانون التعليم المدرسي أصبح على عاتقه مسؤوليات، وواجبات، تقتضي بذلا مضاعفا، للاستفادة القصوى من مواد القانون، والاطلاع بالتعليم وفقا لمكانته، ونظرة الدولة له.