رفقًا بأسر الدخل المحدود

 

د. عبدالله باحجاج

رغم أن أغلب الدراسة الجامعية الداخلية على نفقة الدولة، أي مجانية، إلّا أنها أصبحت ثقيلة ماليًا على الأسر من أصحاب الدخل المحدود؛ فكل من يُبشَّر من أبنائها بمقعد جامعي مجاني خارج محافظته، كمسقط أو ظفار، يُصبح على هذه الأسر أن تقتطع من دخلها المحدود جزءًا مُعتبرًا منه؛ فمجانية المقعد الجامعي هنا تشمل الرسوم الجامعية فقط، أما السكن والمأكل والمشرب والمواصلات وتذاكر الطيران؛ فهي على نفقة أولياء الأمور، عدا طلبة الضمان الاجتماعي الذين تمنحهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، راتبًا شهريًا وقيمة تذكرة طيران ذهاب وعودة.

أما الطلبة من أبناء الأسر ذات الدخل المحدود، فيُمنحون قيمة تذكرة طيران سنوية فقط، دون منحهم أي راتب.. وهنا: كيف سيتمكن الراتب المحدود من مساعدتهم على تأمين ضروريات المعيشة والمواصلات والسكن والمصروف؟!

نفتحُ هذه القضية بعد اتصالات تلقيتها من أولياء أمور يدرس أبناؤهم في جامعتي ظفار ونزوى، وهو ما يُعطي القضية، الثقل الجغرافي العام، بعدما كان غالبًا منحصرًا على محافظة ظفار، بسبب الطلب المتزايد على التعليم الجامعي في مسقط، ومحدوديته في ظفار. أما الآن، وبعد أن أخذ التعليم الجامعي الداخلي الحصة الأكبر من البعثات الجامعية الحكومية على حساب البعثات الخارجية، أصبحنا نشاهد في ظفار ونزوى مثلًا الطلبة والطالبات من كل محافظات السلطنة، وبالتالي، فإنَّ الإحساس بالثقل المالي لجغرافية بلادنا قد أصبحت تعاني منه كل الديموغرافيات المحلية في ظل الدخول الضعيفة والمحدودة، وموجة الغلاء، وفي ظل حصر مجانية المقعد الجامعي على الرسوم فقط.

وقد برزت أمام أسر الدخول المحدودة مجموعة معضلات ثقيلة، كمعضلة غلاء تذاكر خط مسقط- صلالة، ومعضلة عجز مرتباتها المحدودة على توفير التمويل المالي لأساسيات معيشة أبنائهم في مقر دراستهم. وتأتي الآن خطوة جامعة نزوى برفع الدعم عن خدمة نقل الطالبات إلى مطار مسقط الدولي، والعكس؛ لتعمِّق الاستياء السيكولوجي والثقل المالي على هذه الأسر، وقد صوَّر لنا تأثير هذه المعضلات على راتبه المحدود وعلى سيكولوجيته، وليُ أمر طالب يدرس في جامعة ظفار، وذلك عندما أوضح أنَّ راتبه التقاعدي لا يتجاوز 300 ريال، وتساءل- في حديثه معنا هاتفيًا- على من يُنفق هذه الريالات، على أسرته أم على ابنه في مقر دراسته في الجامعة؟ وهنا اعتبار ينبغي الاعتداد به، وينبغي أن يُترجم في منح الطلبة الجامعيين عمومًا تخفيضًا في أسعار تذاكر طيران الخط الداخلي، وهذا مطلب مُلح الآن فيما أوضحناه سابقًا ونزولًا عند أوضاع المواطنين المالية المعقدة، كما ينبغي أن يُترجم بدعم مالي للطلبة/ الطالبات الذين يدرسون خارج مناطقهم الجغرافية للظروف سالفة الذكر.

ونُطالب جامعة نزوى بالعدول عن قرارها إلغاء الدعم المالي لخدمة النقل لمطار مسقط الدولي، والمطار العسكري، الذي سيسري اعتبارًا من الأول من يونيو 2023، وقد وصلتنا شكاوى من أولياء طالبات في ظفار من تحويل الخدمة المجانية إلى مقابل مالي وكبير، إذ يبلغ 35 ريالًا لكل طالبة! وإذا رغبت الطالبات في مرافقة مشرفة معهن، فعلى كل واحدة منهن دفع 10 ريالات إضافية، ليصبح مبلغ الخدمة 45 ريالًا، وهذا يعني أنه عليهن أن يدفعن 90 ريالًا في الذهاب والإياب، وقد وصلتني نسخة من القرار الذي وُزِّع على الطالبات.

ماذا وراء هذا القرار من خلفيات؟ ولماذا الآن؟ إنها أعباء مالية إضافية، وثقل سيكولوجي جديد على الأسر المحدودة الدخل، ونبدي استغرابنا من اتخاذه من قبل الجامعة المشهود لها بدعمها الطلبة والطالبات، ومشهود لها بمسؤوليتها الاجتماعية، ونُطالبها بالتراجع عن القرار سريعًا تقديرًا لظروف أولياء الأمور، ووفقًا لمنظومتنا الفكرية ولعاداتنا وتقاليدنا العُمانية، لا يمكن تصور أن تسمح الأسر لبناتها أن يستخدمن النقل العام مع الأجانب لأن سعره أرخص! أو دون مشرفة، والقرار يدفع إلى هذه المسارات.

رفقًا بالأسر العمانية، إنها تعاني في كل الأحوال، ومن كل الاتجاهات، وما تُنفقه على تعليم أبنائها وفق ما ذكرنا إحدى صوَر من معاناتها، فوق قدراتها المالية والسيكولوجية، وعلى وزارة التعليم العالي دراسة منح معونة مالية للجامعيين خارج مناطقهم؛ فالأغلبية يندرج في فئة الدخول المحدودة، إلا إذا كان هذا مُدرجًا في منظومة الحماية الاجتماعية، كما يستوجب الضغط على الجامعات الخاصة التي منحت الدولة أغلبها- إن لم يكن جميعها- الدعم المادي والمعنوي حتى أصبحت كيانات قائمة بذاتها، وذات نفع خاص، وأرباحها تحققها من البعثات الداخلية، المحوّلة لها من التعليم العالي، أي إنها أداة نجاحها وجوبيًا، وينبغي على التعليم العالي كذلك مُخاطبة الطيران الداخلي بمنح تخفيضات ملموسة على أسعار التذاكر للطلبة/ والطالبات، ويكون ذلك من ضمن مسؤوليتها الاجتماعية.

وإذا لم تقف وزارة التعليم العالي مع هذه الأسر وفق مقترحاتنا السابقة، فإنِّه ينبغي تسكين الطلبة، وبالذات الطالبات في الجامعات والكليات التي تتواجد في محافظاتهن، مراعاة للظروف المالية للأسر ولمنظومة العادات والتقاليد العمانية، رغم إننا لا نشجع هذه الخطوة، لأنها تكرس الانغلاق الديموغرافي والمناطقية، وجمود التواصل وبالذات الفكري والاجتماعي، وتسد أهم باب من أبواب التعايش المجتمعي.. لكنه يظل خيارًا.