استشراف المستقبل

 

د. محمد بن فايل العريمي

1- استشراف المستقبل ترف أم ضرورة استراتيجية؟!

في عام 2005 وبعد دراسة استشرافية امتدت لثلاث سنوات وضعت اليابان رؤيتها للفوز بكأس العالم لكرة القدم عام 2050 بلاعبين لم يولدوا بعد! لقد أطلقت اليابان على هذا المشروع شعار "الحلم قوة الإنجاز".

وفي مقابلة مع تاكافومي ياماجوشي عضو الاتحاد الياباني لكرة القدم قال إن المشروع جاء بعد دراسة دقيقة ومتأنية جدا حيث إن آسيا ستستضيف كأس العالم في 2050 وسنعمل من الآن للفوز بالاستضافة دون أن يكون لنا شريك مثلما حدث في 2002 عندما استضفنا المونديال مناصفة مع كوريا الجنوبية. لقد وضعنا في "الحلم" خطة قريبة المدى أن يكون منتخبنا أحد أقوى 10 منتخبات حول العالم عام 2015، علاوة على هدف آخر بعيد المدى، وهو التخطيط لاستضافة كأس العالم في منتصف الألفية الثالثة (2050) والظفر بلقب المونديال لأول مرة في تاريخ اليابان.

يدور مفهوم الاستشراف حول استكشاف المسارات المتعددة للمستقبل من خلال جمع الأدلة وتحليلها لتدعيم عملية اتخاذ القرار. ويعتبر الاستشراف مهارة عملية تتضمن رسم نهج استباقي واعتماد سيناريوهات يمكن تحويلها إلى واقع ملموس يرتقي بالعمل على أسس ومعايير مبتكرة.

وتشير المراجع إلى أن الدراسات الخاصة باستشراف المستقبل بدأت في الخمسينيات، وبالتحديد في قطاع الدفاع من خلال مؤسسة راند للأبحاث في أميركا، حيث كانت الحكومة الأميركية تبحث خلف سؤالين: هل سيكون هناك ضربة من الاتحاد السوفيتي أم لا؟ وإذا حدثت الضربة ماذا سنفعل؟، لذا نجد أن موضوع الاستشراف قائم على سؤالين: إذا حدث أمر ما، ماذا علينا أن نعمل؟، والسؤال الثاني ماذا لو عملنا كذا؟

وفي ظل المتغيرات المتلاحقة والتشابكات المعقدة بين الظواهر والأحداث المختلفة في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعلوم والتكنولوجيا وتفاقم حجم المعارف وتضاعفها كل 18 شهرا مرة، وارتفاع مستوى كفاءة التكنولوجيا بطريقة مذهلة وتضاعف سرعته كل سنتين مرة، كل ذلك سرع من عملية التغيير أصبح موضوع استشراف المستقبل لمختلف القطاعات العامة والخاصة والأهلية وحتى على المستوى الفردي ضرورة ملحة وحاجة

وعرفت عملية استشراف المستقبل بأنها عملية منهجية تَشاركية تَقوم على جمع المعلومات المستقبلية ووضع رؤى متوسطة وطويلة الأجل تهدف إلى اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ في الوقت الحاضر. ولا تستهدف عملية استشراف المستقبل إلى إصلاح الحاضر، ولا تقليص أخطائه ولا يعيد تصحيح عثرات الماضي، إنما يركز على تقديم الصورة المثلى للمستقبل لإدارة التوجه الاستراتيجي المستقبلي. فالاستشراف ضد العشوائية والاستسلام لمقتضيات الواقع أو ما سيقع.

تقسم الدراسات المستقبلية الاستشراف بشكل عام إلى نوعين، الاستشراف الهجومي، والذي يركز على محاولة السبق في تحقيق نتائج معينة، ولا يريد التعامل مع الأحداث من خلال ردة الفعل. وغالبا ما يسبق التخطيط الاستراتيجي. والاستشراف الدفاعي، والذي يركز على الجانب الوقائي من خلال رسم سيناريوهات للمستقبل لمواجهة الأزمات واستثمار الفرص المستقبلية.

لقد أدركت الحكومات اليوم أن استشراف المستقبل واستباق المتغيرات والتأهب للاحتمالات وما تنطوي عليه من تطورات، ضرورة ملحة وليس عملاً تكميليا بل هو من صميم صياغة التوجهات الاستراتيجية ووضع السياسات العامة. إن التطلع للمستقبل يصنع صورة استشرافية تمكن المؤسسات والحكومات من الاستثمار الأمثل كافة الإمكانيات والمقدرات، لتحقيق الكثير من الإنجازات في شتى المجالات وفي مختلف القطاعات.

إن الإنسان بطبعه يمتلك فضول معرفة الغد، فعندما سئل آينشتاين عن سر اهتمامه بالمستقبل قال بكل بساطة "نحن مهتمين بالمستقبل لأننا ببساطة ذاهبون إلى هناك".

تعليق عبر الفيس بوك