الذكاء الاصطناعي

 

سليمان المجيني

Tafaseel@gmail.com

 

أشعر بالتفاؤل لما ستسفر عنه نتائج الذكاء الاصطناعي، لكني لا أستبعد خللًا بسيطًا قد يعتري بعض قطاعات الحياة، ومع ذلك فإنَّ ذكاء الإنسان وسيرورته ومعرفته بمقتضيات الحياة أكبر من أي ذكاء اصطناعي على وجه البسيطة وبشكل مستدام.

الشاهد مقدار اللغط الذي يحدث قبل كل ثورة تكنولوجية أو مرحلية قد تمر بها البشرية، الإنترنت مثالا وتغير الألفية أيضًا وما صاحب ذلك من تكهنات وتربصات أيقنت بعدها أن التغيير قادم في بعض مناحي الحياة، وكما حدث مع تحذيرات تأثير المناخ على بحار العالم ومحيطاتها، هذه معرفة تعايشنا معها وأصبحت ضمن الأخبار المتواترة.

وليس بعيدًا عن تخيلات عالم 1900 عن الحياة في عام 2000، وكيف ستصبح وسائل النقل الجوية متاحة لتنقلات البشر البسيطة، وكيف ستصبح المنازل المقاومة للأمطار والصقيع في أوروبا، والسفن المانعة للغرق بفضل السكك المزروعة في أعماق البحار، والغواصات وغيرها، وكيف أن الناس سيعيشون في ترف أكبر وحياة سهلة ممتعة، كما جاء برسوم البطاقات البريدية لإحدى شركات الشوكولاته في ألمانيا.

الأمر ينطبق على الذكاء الاصطناعي حينما ندرك مهماته في الحياة، هذه المهمات التي تحتاج حاليا لفريق بشري كامل رؤساء ولجان متعددة وفي النهاية (بعد شهر أو سنة، حسب اللجنة ومشروعها) تختلف الآراء وربما تصل اللجنة لرأي به سلبيات كبيرة على المجتمع، أما الذكاء الاصطناعي فيمكن أن يقوم بالمهمة في دقائق معدودة ويختصر أي مدة قد يستغرقها البشر، وإذا راعت المدخلات كل ما يتعلق بالمشروع والمجتمع والإمكانات والبيئة وغيرها فإن النتيجة ستكون أكثر دقة ولن تستغرق سوى ثوان بسيطة.

دعونا ننتظر ونعاين ما يحدث، ونسجل السلبيات والإيجابيات، هذا الوقت هو وقت التمعن وقبله وقت المؤانسة لأنَّ الأمر قادم لا محالة، علينا تطويع كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتهيئة الجيل له، ومن ثم نتحدث عن سيئاته وحسناته على البشرية، وهل سيقوض اليد العاملة أم ستبقى بعض الوظائف والمهن لا يضيرها ذكاء اصطناعي أو غيره.

وكما قال الدكتور توفيق السيف- في مقاله الأخير بصحيفة الشرق الأوسط- أن كثيرًا من أسباب القلق القديم لظهور الإنترنت قد تم احتواؤها فعليًا ولم تعد ذات معنى قوي يوم أن تعرفنا على الإنترنت، قبل عقدين من الزمن، وكما حدث لبعض شركات التصوير التي أغلقت أبوابها مثل كوداك بسبب انتشار التصوير الرقمي الذي أصبح متاحاً لجميع البشر وبشكل أسرع وأكبر.

والمصير نفسه واجه شركات تصنيع أجهزة التسجيل والراديو والآلات الكاتبة والصحف الورقية كما يقول الدكتور، أو على الأقل أضعف منها، وهذا الأمر (الذكاء الاصطناعي) قد يؤثر حتى على المدربين والمثقفين فلن يجدوا أحدا يستمع أو يقرأ لهم، أو على الأقل يشتري منهم نتاجهم الفكري لأن التكنولوجيا تستطيع كتابة القصة والرواية والكتب العلمية والرسائل الجامعية وكل شيء لم تتخيله، بل يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كل كتاب ليسوقك إلى قراءته من عدمها، وربما يوضع كل مبدع - بعد هذه الثورة- في دائرة الشك أو حتى دائرة اليقين بنتاجه الفكري المعتمد على التقنية، ولو ببعض التعديلات.

لا شك أنه تم اختراق الإنسان، وشيئًا فشيئًا سوف يؤثر ذلك على طبيعة الحياة لكن لن يؤثر على البشر من ناحية شكل وسيرورة الحياة، سيعيش الإنسان ممتنًا للقدر أن جعله يرى كل ذلك، ويحكم بنفسه على مقتضياتها، وعلى العارفين نشر المعرفة بهذا القادم الجديد.

وكما قال أيضًا الدكتور توفيق السيف إن نشر المعرفة به يزيل القلق وبإمكاننا التعرف على الذكاء الاصطناعي، كما تعرفنا سابقا على الكمبيوتر والإنترنت، ومن قبلهما على الراديو والتلفزيون والبث الفضائي، ويدعو إلى القراءة عن الذكاء الاصطناعي ومن ثم استعماله، كل في مجاله، ويرى أنه السبيل الوحيد لتحييد أضراره والتمتع بخصائصه وإيجابياته.

تعليق عبر الفيس بوك