قلمي الضوئي يزاحم البوص والمحبرة

 

محمد بن سليمان الحارثي **

العربية لغة الضاد المُتميزة نطقًا وكتابة خالدة بخلود أحرفها في كتاب الله العظيم فهو قرآن مجيد في لوح محفوظ، حروف لا ككل الحروف متميزة في رسمها مصدر خصب للمعاني عندما تكون مفردة أو عند تجمعها.

والخاط للحروف العربية خير من يشهد بذلك عندما يرى ذلك التنوع المستفز والمثير والملهم لذائقته في جميع الخطوط العربية عندها يستلذ ويستمتع بكتابتها لينتج عملاً يُسعده ويلهم الآخرين، وأيًا كانت لغة الخطاط وثقافته أو بمعنى آخر - إن كانت لغته الأم هي اللغة العربية أم أنها لغة تعلمها وأتقن كتابتها مع لغته الأم – فإن محابر الخطاط وقصاصات مخططاته تشهد بعد ذلك على  إبداع خطوطه بأقلام متنوعة استخدمها  كالبوص مثلاً وهو  العود المبري بزاوية حادة به يطلق أساس الإبداع وبه يسطر الحروف بقواعد محددة تنتج خطوطا متنوعة ومدروسة.

نماذح داخل المقال على الموقع (3).jpeg
 

أستذكر دائماً لحظات من الذاكرة تثبت شغف غير العربي بحروف الضاد فكيف بالعربي وهذا ما يثبت قوة الحرف العربي، منذ فترة طويلة  كنت أمارس تمارين كتابة الحروف عندما كنت في مقاعد الدراسة في دولة أجنبية وأنا في مكتبة الجامعة كانت أمامي في المقعد المقابل طالبة أقل ما توصف أنا خمسينية العمر شغفها بالعلم لم يعكره مقياس الزمن، تنظر إلى ما أكتب آنذاك بتمعن شدها كتابة حرف الواو في خط الثلث لاحظت رغبتها في طرح الأسئلة ولانهماكي في الكتابة لم أعرها أي اهتمام لكني سمعتها تنطق بحرف الواو فرفعت رأسي وقلت أتعرفين العربية هل زرت دولا عربية من قبل، فردت بلغتها لا، لكني أتابع صفحات الإنترنت وعرفت أنَّ هذا هو حرف الواو، أومأت برأسي باستغراب نعم قالت: هل حرف الواو هو أساسا حرف (e) باللغة الإنجليزية معكوسًا أم ماذا؟ ومن أتى في البداية؟

وقبل أن تبدأ بطرح أسئلة أخرى وجدت نفسي في درس تاريخ نشوء الكتابة والتايبوجرافيا أعصر ذهني لأتذكر ما درسته سابقاً عن التايبوجرافيا في بلدي وفي نفس اللحظات لاحظت كم كانت مستمتعة بالنقاش وإن كنت لم أجب على سؤالها بدقة لكني لاحظت ذلك الشغف بالحرف العربي الذي أقل ما يُقال عنه أنه قمة الإبداع، ختمت حديثي بـ"wow"، وهو أيضًا حرف الواو الذي به بدأنا ذلك الحوار القصير ثم ما لبثت أن رجعت إلى بوصي ومحبرتي.

مرَّت أيام طويلة وأنا ما بين البوص والمحبرة ثم قلم الخط العربي بسماكاته المعهودة الذي يصاحبني بين فترة وأخرى وبه أصنع علاقة حب ثرية بينه وبين الورق أحاول من تلك العلاقة تطوير مهاراتي البسيطة في الخط العربي تقليدا أو تطبيقا لدروس عملية  حتى ظهر في الآونة الأخيرة ذلك القلم الضوئي الذي به نكتب على  شاشات أجهزة الحاسب الآلي أو الأجهزة اللوحية، صحيح أن الحبر والأقلام والورق الأملس أو المقهر له طعم آخر في الكتابة لكن الثورة التكنولوجية المتسارعة وهو ما جرنا إلى الانغماس في  عصر الآلة شيئا فشيئا ومنه يأتي اكتساب الخطاط لمهارات أخرى في التعامل مع التقنيات المطورة في كتابة الحروف بصور متعددة من الخطوط المعروفة بل حتى تصميم حروف الأبجدية العربية بخط جديد إضافة إلى ما يتسم به العمل الرقمي من إبداع في  تصميم الحروف العربية أو تصميم اللوحات الفنية القائمة على تشكيل الحروف أو كتابة الجمل أو الفقرات. وهنا يتضح جلياً قدرة الخطاط الرقمي- إن صح لنا التعبير- في إنتاج أعمال فنية كثيرة في كل المجالات التي تتعلق بتشكيل الحرف مع قدرته على دمج المعالجات الرسومية مع الخط العربي لتكوين بيئة فنية راقية في العمل الفني محققًا بذلك مبادئ التصميم من وحدة وتكوين وتناغم وغيرها إضافة إلى ترجمة مدارس الفن التشكيلي في أعماله التي روحها وأساسها هو الحرف العربي ولا ننسى أنه يتعامل مع شتى الألوان التي يريدها ولا يقتصر على درجة لونية محددة أو لون وحيد.

القلم الضوئي أداة بديلة عن القلم أو البوص والجهاز اللوحي بديل عن الورق بأنواعه ويبقى الوسيط الآخر هو التطبيق أو البرنامج الذي يستخدم في تصميم الحروف كبرنامج الفوتوشوب أو برنامج الإليستريتر أو برنامج البروكرييت لكن تبقى مهارة الخطاط ومعارفه وحسه الفني هو المحك والأساس في إنتاج العمل الفني الفريد القائم على الحرف العربي وفي الختام أصحبك عزيزي القارئ في رحلة بصرية تترجم الكلام الذي قلته سابقا من خلال بعض الأعمال التي انتجتها باستخدام القلم الضوئي.

** مدرس بكلية الزهراء للبنات، تخصص التصميم الجرافيكي

نماذح داخل المقال على الموقع (1).jpeg
نماذح داخل المقال على الموقع (2).jpeg
 

تعليق عبر الفيس بوك