عندما يكون للتفاهة لسان ومكان وجمهور

 

مريم الشكيلية

قرأت كتاباً بعنوان سيكولوجية الجماهير للكاتب الفرنسي (جوستاف لوبون) وكيف أوضح كيف يتأثر ويؤثر الجماهير في المجتمعات وكيف إن الجماهير حسب رأيه ينساقون متأثرين بطريقة الطرح أو الخطاب لموضوع ما.

إننا اليوم نعيش في عالم من السرعة داخل برامج التواصل الاجتماعي ومن يقود أو يطفو في هذه البرامج هم مجموعة من صانعي المحتوى الذين أصبح لهم تأثير مباشر وقوي ومع الأسف وكل الأسف أغلبها ويطغى على هذه البرامج ومحتواها وصانعيها (التفاهة).. فما المقصود بالتفاهة.

معنى (التفاهة): هو كل مادة معروضة خالية من الإبداع والقيم والأصالة وهي أيضاً ما يقود العقل والفكر إلى البلادة والركود وبيئة فاعلة من التخلف والانسلاخ من الثوابت والقيم الأخلاقية والوطنية والهوية...

عندما يكثر في المجتمع محتوى التفاهة ويصبح المجتمع قابلا بتقبلها من خلال التفاعل معها ومتابعتها والاندماج في تفاصيل ما يعرض من فضائح وهبوط محتوى مع الوقت يصبح مجتمعا مقيدا بانعدام الإبداع والتميز والعمل وتنمية ونهوض بالمجتمع السليم والقوي والفعال واليقظ الذي يسعى إلى جعل أفراده أفرادا تخدم وطنها وأيضاً التفاهة تقود الإنسان إلى المزيد من السطحية والتهميش ويصبح مع مرور الوقت إنسانا قابعا ومتسمرا أمام شاشات البرامج التي تعرض ما لا يغني ولا يسمن من جوع يصبح إنسانا منقادا تحت تأثير الكلمة الرنانة والصور المتتابعة والأضواء المبهرة ويصبح فرداً مفلساً عمراً ووقتا وجهدا فقط يجلس أمام نافذة المحتويات التي تعرض إما أشياء وتفاصيل وأمور خاصة جداً بالشخص نفسه حتى تلك الأشياء التي تعتبر من الأمور السرية داخل بيته وحياته مع عائلته وحتى أوقات انسجام الشخص مع زوجته أو أحد أفراد الأسرة ويتم استعراض الهدايا الفاخرة والفسح المكلفة والطعام المنوع والمسكن الجديد والفخم والحياة الرغيدة التي لا تعني أحدا سواه وتارة تعرض أوقات الخصومات وتهطل علينا الدموع والشكوى والمنغصات وتلك التفاصيل التي تشعرك وكأنك كنت واحدا من أفراد تلك الأسرة وتعيش معهم والمبكي والمحزن في نفس الوقت هو تأثر المتابع بكل هذا الأمر بالحالات والتقلبات الحياتية لصانعي هكذا محتوى وكأنك تتابع قضية مهمة.

وبعد أن تكثر هكذا محتويات تافهة لا قيمة لها وكأن صانعها يرسخ في عقول المتابع له صورته هو ومكانه يريد أن يصبح عليها فيما بعد من خلال الكم الهائل من فيديوهات التهريج والعبث بعقول الناس ومن خلال الكشف عن كل مستور في بيته وبعد أن أصبح الممنوع سلعة متاحة للمتابعة وبعد أن تنهال عليه المتابعات وتصبح حساباته زحاما من الأفراد الفارغة والتي تعيش حياتها بلا هدف أو عمل ويصل إلى ما يعرف اليوم (بلعنة الترند) يصبح صانع المحتوى بعد هذا الفصل من الظهور ووضع قدمه في هذا الأرض الرخوة من البرامج التافهة يظهر بصورة مختلفة لتثبيت الأرقام الوفود التي زحفت زحفاً إلى برامجه يظهر بصورة الواعظ أو الناصح أو العالم بأمور تهم الإنسان ليس لشيء ولا أبالغ أو أنني أدخل في سرائر الإنسان أو التشكيك في دوافعه وإنما ومع الأسف هذا ما آلت إليه الأمور في كل مرة وهو لبس ثوب الجدية والإقناع بما هو صالح للفرد بصورة أو بأخرى للدخول في عالم الإعلانات والكسب منها وهي مرحلة وانتقالة أخرى للشهرة والكسب السريع.

ومع الأسف هناك من يغذي ويدفع لتقوية التفاهة في المجتمعات من خلال دفع مبالغ مالية لأصحابها للاستمرار من خلال ترويج منتج أو غيره أو من خلال حب الظهور والأضواء الكاذبة التي تخدر الإنسان وتقلب قوانينه وقيمه.

إن المجتمع اليوم المخلصين والحريصين عليه لهم دورهم الفاعل والجدي في توعية الإنسان من الانخراط في متابعة والإدمان على هكذا برامج والسعي لتوضيح هدفها ونتائجها وتأثيرها في الحياة والدفع بالتي هي أحسن إلى إعادة الأمور إلى صحيحها وتصحيح الإعوجاج.

تعليق عبر الفيس بوك