د. سليمان المحذوري
بدعوة كريمة من الزملاء في قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس الجامعة العريقة- التي أعتزُ أني كنت أحد طلابها في مناسبتين البكالوريوس والماجستير- حضرت ندوة فريدة من نوعها بعنوان "الكتابات التاريخية المعاصرة: رؤى نقدية وتوجهات مستقبلية" تزامنًا مع الاحتفاء بيوم الجامعة.
استعرضت الندوة أوراق عمل مهمة ركّزت على أهمية ربط الماضي بالحاضر، واستشراف المستقبل، وأنّ الكتابة التاريخية المعاصرة خرجت من العباءة التقليدية، ولم تعد تقتصر سردية الحدث باعتباره خبرًا من الماضي، ولابد من اهتمام المؤرخ بالإنسان البسيط والمجتمع بمختلف فئاته كما ذكر د.علي الريامي رئيس قسم التاريخ في معرض كلمته. ومن بين المداخلات العلمية ورقة العمل التي قدمها ياسر الرحبي وحملت عنوان "المهجر العُماني في شرق أفريقيا: الواقع والتحديات ونظرة مستقبلية" وأجد أنّ فكرة الورقة تتماهى مع أهمية الاستفادة من الوجود التاريخي للعُمانيين في منطقة أفريقيا الشرقية.
ومن المعلوم أنّ الصلات العُمانية بالمنطقة تمتد لقرون طويلة حركتها الرياح الموسمية التي تهب في مياه المحيط الهندي- العمق الاستراتيجي لعُمان– خلال موسمين؛ حيث تبحر السفن الشراعية من مختلف الموانئ العُمانية في فصل الصيف محمّلة بالسلع المحلية وتبدأ تجارتها من الصومال شمالًا مرورًا بالموانئ الكينية حتى تصل زنجبار محطتها الرئيسية، وأحيانًا تصل إلى موزمبيق جنوبًا، ثم تعود محملة بالخيرات الإفريقية إلى عُمان في فصل الربيع مع هبوب الرياح الجنوبية الغربية.
هذه العلاقات التاريخية المتجذرة أثمرت مؤثرات حضارية ثقافية واجتماعية بين الجانبين ولا زالت باقية، ويُمكن للزائر ملاحظتها بسهولة سواء في عُمان أو زنجبار. بيد أنّ السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه كيف يُمكن لعُمان استثمار هذا الإرث التاريخي والحضاري في الوقت الحاضر؟ وكيف يُمكن الاهتمام بالإنسان العادي من أصول عُمانية في محيطه الإفريقي؟ وهل يُمكننا الحفاظ على الهوية الثقافية العربية والمكاسب الحضارية في شرق إفريقيا؟
وخلال استضافة كريمة من مجلس الخنجي قدمت محاضرة بتاريخ 18 يونيو 2022 تتعلق بعُمان وإفريقيا الشرقية وآفاقها المستقبلية. وفي مداخلة لي عبر برنامج "صباح الخير يا بلادي" حلقة الثلاثاء 11 أكتوبر 2022، تحدّثت عن العلاقات التاريخية بين عُمان وزنجبار بالتزامن مع زيارة رئيس زنجبار إلى سلطنة عُمان، وتمّ التركيز كذلك على آفاق هذه العلاقات التي لم تنقطع أساسًا.
إجمالًا.. ورغم أنّ هنالك جهود ومشاريع حكومية في الجوانب الثقافية والاقتصادية، وجهود مقدرة لجمعية الاستقامة العالمية في المجالات التعليمية والاجتماعية من أجل الحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري؛ إلّا إنني دائمًا أقول وأكرر إنّ عُمان مؤهلة أكثر من غيرها للبناء على تلك الأرضية الصلبة من الصلات الراسخة وما أفرزته من نتائج، وضرورة استثمار هذه القوى الناعمة لحاضر ومستقبل عُمان انطلاقًا من الإجابة عن الأسئلة المطروحة في صدر المقال.