"البيانات الضخمة".. صناعة تحويل المعلومات إلى ثروات هائلة

عُمان تستهدف توظيف البيانات الضخمة في تطوير قطاعات حيوية.. والتجارة والصحة والتعليم بالمقدمة

تطور الذكاء الاصطناعي يعتمد في المقام الأول على البيانات الضخمة

الحكومة تقدم تسهيلات متنوعة لمشاريع الاستثمار التقني وتوطين التكنولوجيا

463 إكسابايت معدل الإنتاج اليومي للبيانات الضخمة بحلول 2025

59 زيتابايت حجم البيانات الضخمة اليومية في 2020

 

الرؤية- سارة العبرية

 

ثورة هائلة فجّرتها تقنيات برمجة البيانات الضخمة، والتي تعني بشكل عام استخدام المعلومات الكبيرة والمتنوعة الناشئة من الأنشطة الرقمية، في تحليل الأنماط واستخراج القيمة منها، ويشمل هذا النهج استخدام التقنيات المتطورة والأدوات المتقدمة لتحليل البيانات وإنتاج معارف جديدة تساعد على تحديد الاتجاهات والتوقعات المستقبلية، في قطاع ما أو أي مجال عمل مُستهدف.

وتُعد البيانات الضخمة إحدى العناصر الأساسية في الاقتصاد الرقمي الحديث، وقد ازدادت أهميتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ حيث تُمثل مصدرا هاما للقيمة الاقتصادية والمعرفية، وفقا لتقرير "Statista" لعام 2021، ويتوقع أن يصل حجم البيانات العالمية المنشأة بشكل يومي إلى 463 إكسابايت في عام 2025، مقابل 59 زيتابايت في عام 2020.

البيانات الضخمة (1).jpg
 

وتستخدم الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة والحكومات البيانات الضخمة في مجالات متنوعة، من بينها التسويق والتحليل الاجتماعي والرعاية الصحية والتعليم والأمن والنقل والإنتاج والطاقة، ويمكن استخدام البيانات الضخمة لتحسين الأعمال وتحسين الكفاءة والمرونة وتحسين التنبؤات واتخاذ القرارات الأفضل.

الذكاء الاصطناعي

ويشير تقرير صادر عن شركة "IBM" لعام 2020 إلى أن الاستخدام المتزايد للبيانات الضخمة ساهم في نمو صناعة الذكاء الاصطناعي بنسبة 27% في عام 2019، مقارنة بنمو قدره 12% في عام 2018، ويتوقع أن تستمر هذه الاتجاهات في المستقبل مع تزايد الطلب على الخدمات التحليلية.

وتعمل سلطنة عُمان حاليًا على تطوير استخدام البيانات الضخمة في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لجمع وتخزين البيانات وتحليلها، وتشمل هذه القطاعات التجارة والصناعة والتعليم والرعاية الصحية والسياحة والنقل والخدمات المالية.

وعلى المستوى العام، تشجع سلطنة عُمان الاستثمار في البيانات الضخمة وتدعم الشركات والمؤسسات التي تعمل في هذا المجال، وتتعاون الحكومة مع القطاع الخاص والأكاديمي لتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال، وتوفير فرص التدريب والتعليم للمهنيين المهتمين بالعمل في هذا المجال.

أنواع البيانات وأقسامها

ويمكن أن تتضمن مجموعات البيانات الكبيرة أشكالا مختلفة: مثل البيانات المنظمة (Structured Data) كالمتوفرة في قواعد البيانات، والبيانات غير المنظمة (Unstructured Data) مثل بيانات مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي والصحف، والتي يمكن من خلال تحليلها المتعمق الوصول لمفاهيم واستنتاجات هامة.

ووفقًا للنماذج العالمية، فإنَّ البيانات الكبيرة لها صفات مختلفة، مثل: كبيرة الحجم (Volume)، والتي يمكن أن تصل أحجامها لملايين التريليونات من السجلات والبيانات، عالية التنوع (Variety)، ويقصد بها تنوع البيانات المستخرجة وتشمل الملفات الإلكترونية، وقواعد البيانات، وصفحات الإنترنت، وتسجيلات الفيديو، وغيرها، وتتطلب وقتاً وجهداً لتهيئتها في شكل مناسب للتحليل.

ويمكن اعتبار أن البيانات مثلها مثل المواد الخام، فهي تحتاج للتحليل واستخراج ما تحمله هذه البيانات من حقائق ومعارف، للاستفادة منها كما هو حال النفط؛ فمجرد استخراجه من باطن الأرض لا يعني بأنه جاهز كوقود للاستخدام الصناعي؛ بل يحتاج للتكرير والتصفية لينتج المواد المفيدة القابلة للاستخدام.

فائدة الاقتصاد في البيانات

ينظر الاقتصاد الرقمي للبيانات الكبيرة على أنها أحد أهم أسس بناء أي اقتصاد مستدام بالحاضر والمستقبل، لأنه سيكون معتمدا على المعرفة والتحليل الحقيقي والفهم الواقعي، من أجل تحويل البيانات الكبيرة لمعلومات واضحة ومعارف قابلة للاستخدام، وهناك فرعان من العلوم يتم توظيفهما كمنهاج لنمذجة البيانات ومعالجة البيانات الكبيرة، وهما علم البيانات وعلم تحليل البيانات، فعلم البيانات يركز هذا العلم بشكل أساسي على استكشاف الأشياء التي لا نعرفها وإيجاد طرق أفضل لتحليل المعلومات، من خلال طرح أسئلة وفرضيات محتملة، وربطها مع مصادر بيانات مختلفة ومتباينة وغير مترابطة، أما علم تحليل البيانات فهو مبني على إجراءات التحليل الإحصائي لمجموعات البيانات المتوفرة للكشف عن الأنماط الخفية والعلاقات غير المعروفة كاتجاهات السوق وتفضيلات المتعاملين وعلى تصميم طرق مبسطة لعرض البيانات والمعلومات لحل المشكلات والإجابة على التساؤلات التي تهم صانع القرار، وإيجاد نتائج يمكن أن تؤدي إلى تحسينات فورية.

قطاعات الأعمال المختلفة

يفيد استخدامات البيانات الكبيرة في الميدان الصناعي في تحسين جودة المنتج وتطوير خصائصه بناء على فهم أكثر دقة لمتطلبات السوق، كما أن له دورا كبيرا في توفير المعلومات اللازمة لتخطيط وإدارة شبكة التزويد.

وأعلنت دراسة لماكينزي، أن أثر تطبيقات البيانات الكبيرة في مجال الرعاية الصحية بالولايات المتحدة الأمريكية يتراوح ما بين 12% إلى 17% من تخفيض للنفقات، أي ما بين 300 إلى400  مليار دولار، مشيرا إلى أن هذه النسب متحفظة جداً؛ نظرا لكون الابتكارات التكنولوجية سيكون لها آثارا أكبر بكثير في المستقبل.

ويشير تقرير آخر لماكينزي حول أهمية البيانات الكبيرة في البحوث الطبية والمتابعة الحثيثة للمريض؛ حيث إن البيانات المتوفرة لدى المستشفيات وشركات التأمين أصبحت ذات قيمة مادية كبيرة ويتم بيعها وشرائها مع الجهات البحثية ومصنعي الأدوية والعقاقير التي حلت بشكل كبير محل البحوث الميدانية الموجهة والمكلفة جدا، والتي تطول لسنوات طويلة؛ إذ إن البيانات الكبيرة تعتبر بشكل كبير جاهزة ومتوفرة ويمكنها الكشف عن العديد من العلاقات السببية بين المريض والمرض وأسبابه واحتمالات الاستجابة لعلاجه، وهو ما سيكون له أثر كبير في اختصار الكثير من الوقت وتقديم علاجات جديدة نتيجة لتحليل هذه البيانات، ونتيجة لثورة الأجهزة الرقمية المتصلة بالإنترنت والتي يمكن ارتداؤها، وسيكون لها دور كبير في حماية المرضى من المفاجآت المرضية أو التعامل السريع مع أي تغيرات مقلقة، فضلا عن التنبؤ بها قبل وقوعها.

وأصبحت البيانات الكبيرة سلعة تجارية في حد ذاتها تباع وتشترى، ولها سوق عالمي كبير حيث يتعدد مزايا استخدامها بكافة أنواع الأعمال الخاصة أو الحكومية على حد سواء.

وأوضحت شركة (IDC) الاستشارية المتخصصة في مجالات التكنولوجيا، أن إيرادات البيانات الكبيرة في جميع أنحاء العالم نمت من 130.1 مليار دولار في عام 2016 إلى أكثر من 203 مليارات دولار في عام 2020، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 11.7%.

ونشرت دراسة حديثة لشركة اكسنشر (Accenture) الاستشارية، شملت العديد من المؤسسات التي أجرت مشروعا أو أكثر في مجال البيانات الكبيرة، أكد فيها المسؤولون أن العائد من الاستثمار في البيانات الكبيرة وصل إلى نسب تفوق 92%، كما أن 89% من الردود أجمعت على أن هذه المشاريع كانت هامة جدا لنجاح أعمالهم وتطورها وربحيتها، وأكدت 85% من الردود أن البيانات الكبيرة كان لها دور ثوري في إعادة تهيئة وتطوير الأعمال لمؤسساتهم.

شبكات القيمة الاقتصادية

وتمضي حركة المواد والمنتجات والخدمات وفق منظومة تقوم بتوجيهها، فكل تصرفات القيمة المضافة تتم بهدف تلبية الطلب عليها، سواء كان هذا الطلب مباشرا مثل أمر الشراء أو غير مباشر مثل توقعات السوق، وهذه المنظومة المحركة لشبكة القيمة الاقتصادية تتمثل في البيانات والمعلومات التي يحرص الأطراف المشاركة في سلاسل القيمة المضافة  لكل منتج أو خدمة على جمعها وتحليلها وفهمها كأداة للتخطيط وتنفيذ القرارات الاقتصادية.

وتأتي هذه المعلومات من البيانات لتصف واقع أو حالة ما، مثل: الأسعار والتكاليف، وأسماء المنتجات والعناوين وغيرها، وبتجميع مثل هذه البيانات وربطها بشكل منطقي يمكن تحويلها إلى معلومات ذات فائدة وقيمة.

تطور المعلومات والبيانات

وكان مفهوم المعلومات معتمدا على الحوار اللغوي المسموع أو المكتوب والتي يدخل بها لغة الإشارة ولغة الجسد وطرق توصيل المعرفة الأخرى مثل الرسوم والصور، ثم فطن الإنسان قديماً لأهمية تسجيل أفكاره من خلال الرسم على جدران الكهوف والصخور والتي تطورت بالحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية والأشورية التي عرفت الكتابة ومازالت العديد من آثارها موجودة بين أيدينا اليوم، ومازالت هذه المعلومات المدونة منذ آلاف السنين هدفا وغاية للعلماء لبحثها وتفسيرها وفهم الكثير من التفاصيل عن الماضي وتاريخ من سبق طلبا لمزيد من المعرفة.

ثم تطورت الكتابة وطرق التدوين لتسجيل الأفكار والعلوم والمعارف وتوثيق الاتفاقيات التجارية والالتزامات الاقتصادية عبر التاريخ، وظلت لآلاف السنوات أمرا ليس بالهين، نظرا لكونها معتمدة على التدوين اليدوي، حتى أن اقتناء كتاب بالماضي كان يعتبر أمرا نادرا، وينظر له بمثابة الثروة نظرا للجهد الكبير والوقت المبذول في كتابته وتدوينه وتجليده، وظل هذا الأمر سائدا حتى ظهور اختراع الآلة الكاتبة والتي اعتبرت بمثابة ثورة معرفية هائلة نقلت البشرية نقلة نوعية جبارة؛ إذ بسبب هذا الاختراع شاع امتلاك الكتب وازدهر التعليم وانتشرت المعرفة.

النقلة النوعية التالية كانت بالخمسينات من القرن الماضي عند اختراع الحاسبات الإلكترونية وبدء تسجيل البيانات الرقمية إلكترونيا والتحول في تسجيل الأرقام والبيانات والمعلومات من الورق إلى الملفات الرقمية.

وفي هذه المرحلة ظهرت التطبيقات الرقمية مثل نظم الإدارة الشاملة (Enterprise Resource Planning – ERP)   والتطبيقات البنكية والحكومية بغرض الاستفادة من قدرة الحاسوب الخارقة في التسجيل والحساب وإنشاء قواعد البيانات، وخلال هذه المرحلة ظهرت وسائط لتخزين البيانات مثل الهارد ديسك وشرائط الكاسيت الممغنطة والأقراص المرنة.

بعد ذلك، دخل العالم عصر الانترنت والذي بدأ انتشاره بمطلع التسعينات وسرعان ما أصبح وسيلة الاتصال الأساسية العالمية مع نهاية هذا العقد، والتي أنتجت حجما من المعارف والمعلومات ونقلت التطبيقات الرقمية نقلة هائلة، إذ أصبحت تعتمد على الاتصال من خلال الشبكة العنكبوتية وانتقلت الأعمال من الطرق التقليدية لتصبح شبكة الإنترنت هي الوسيط الحامل لكافة هذه المعلومات وقواعد البيانات.

وصاحبَ هذا التقدم ثورة هائلة في تصنيع وتطوير الدوائر التكاملية المبنية من شرائح الموصلات الدقيقة التي مكنت من تصنيع حواسيب خارقة؛ إذ يكفي أن الهاتف الخلوي الرقمي الذي يستخدمه الجميع اليوم تصل قدرته لحاسب إلكتروني ضخم بالسبعينيات والثمانينيات (Mainframe computers)، وتعاظمت القدرة على تصنيع وسائل تخزين البيانات الرقمية، ومازال هذا التطور ماضيا متناميا لتتضاعف قدرة الآلة الرقمية كل 18 شهرا وينقص حجمها بمقدار النصف، وعلى الرغم من توقع عدم قدرة التكنولوجيا على الاستمرار بنفس النمط مع وصولها لمستويات فاعلية وأبعاد متناهية الصغر، إلا أن البدائل ما زالت في طريقها للنمو والازدهار لتلبية الحاجات البشرية المتزايدة والمعتمدة على البيانات، والتطور التقني المطلوب.

البيانات في المستقبل

وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة، يشهد العالم قفزة جديدة في عالم البيانات والسجلات الرقمية سواء على مستوى إنتاجها أو تخزينها أو تداولها وتحليلها وبشكل غير مسبوق؛ إذ أصبحت البيانات الرقمية غاية بالضخامة ومعقدة التركيب، وليست محصورة على قوائم السجلات البشرية المكتوبة أو الكتب أو قواعد البيانات المحاسبية والبنكية أو الخاصة بالشركات؛ بل هناك مصادر كبيرة من البيانات تنتجها الآلة القادرة على الاتصال بالإنترنت وتسجيلها وحفظها بشكل ذاتي.

وتشير الإحصاءات العالمية إلى تنامي حجم البيانات بمعدلات مذهلة، فما تم إنتاجه من بيانات خلال العامين الماضيين فقط يساوي 90% من بيانات العالم، أي مساويا أو يفوق حجم كل البيانات التي أنتجها البشر قبل هاتين السنتين.

وذكر مقال نشر في مجلة فوربس أن البيانات ما زالت تنمو بوتيرة متسارعة أكبر من أي وقت مضى، وأنه بحلول عام 2020 نشأ حوالي 1.7 ميجابايت من المعلومات الجديدة كل ثانية لكل إنسان على هذا الكوكب.

وحسب ما نشرته شركة "آي بي إم" فقد بلغ حجم البيانات المنتجة والمخزنة بالعام 2020 حوالي 40 زيتابايت، وأن هذا الحجم من البيانات سيساوي 300 ضعف البيانات التي توفرت حتى نهاية العام 2005.

وأشارت دراسة أخرى لجامعة هارفارد لنفس التقرير، موضحة أن تكلفة البيانات السيئة (Bad Data) سنويا على الولايات المتحدة وحدها حوالي 3 ترليون دولار، وهي خسارة تصورية تمثل 15% من الاقتصاد الأمريكي، ويمكن أن تحول إلى بيانات مفيدة في حال تم حسن توظيف وتشغيل هذه البيانات.

العالم العربي

وتقدم البيانات الكبيرة اليوم ميزة تنافسية للحكومات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص، وعلى الرغم من أن بعض الجامعات العربية والإقليمية بدأت بإنشاء تخصصات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، إلا أنها تقف بمسافة بعيدة عن تلبية المتطلبات المتسارعة لسوق العمل، ويتوجب هنا ضرورة التخطيط الدقيق والمنظم لتوفير الكفاءات والمهارات القادرة والمتمتعة بنفس القدرات التي تتوفر في المهن عالمياً للسوق العربي.

ويتعين على الحكومات العربية أن تأخذ ذلك في الاعتبار في مشاريعها الكبرى في مجال البيانات الضخمة وأن تضمن نقل الخبرات من الشركات العالمية إلى الشركات العربية المحلية، وذلك من خلال عقود تشارك فيها اتحادات تشاركية تتكون من عدة شركات وتشمل شركات محلية الذي يعد أمرا مهما للنقل الدولي للخبرات في هذا المجال لمنطقتنا العربية، كما أنه على رجال الأعمال إدراك فائدة البيانات والمعرفة كطريقة إستراتيجية لتنمية أعمالهم ونقلها إلى مستويات جديدة وأكبر من المنافسة محليًا وإقليميًا وعالميًا.

ولا شك أن الاستثمار في البيانات الضخمة سيحقق عوائد واضحة تتحرك في اتجاه تعزيز واقع الاقتصاد العربي، خاصة على مستوى الإيرادات العامة أو خلق فرص العمل.

تعليق عبر الفيس بوك